::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - السريرة
الموضوع: السريرة
عرض مشاركة واحدة
قديم 15-03-2007, 02:55 PM   #1
 
إحصائية العضو







ابومبارك الدوسري غير متصل

ابومبارك الدوسري is on a distinguished road


افتراضي السريرة

لو كشف للإنسان عن سريرة الإنسان لرأى منها ما يرى الأعمى من غرائب هذا الكون وعجائبه حين تدركه رحمة الله بعد طول محنته فيرتد بصيراً.
تتراءى لك السريرة في ظاهرها كأنها أديم السماء أو صفحة الماء، فإن بدا لك أن تكتنه باطنها فإنك غير بالغ من ذلك مأربك إلا إذا استطعت أن تخترق جلدة السماء، فترى ما وراءها من بدائع الكائنات، وتغوص في أعماق الماء، فتشاهد ما في باطنه من عجائب المخلوقات.
يعجز المرء عن رؤية الهباء فيتريث ريثما تمج الشمس لعابها من نافذة غرفته فإذا هو مائج وضاء يروح ويغدو رواح السانحات وغدو البارحات، ويعجز عن رؤية الجراثيم فيستعين عليها بمنظار يجسمها له ويدنيها منه حتى ليكاد يلمسها بيمينه، ويعجز عن اكتناه السريرة، فلا يجد إلى الوصول إليها سبيلاً.
وقف آدم أمام باب السريرة يوم الشجرة يعالج فتحة فاستعصى عليه، ثم وقف بنوه من بعده موقفه فعجزوا عجزه، فلج بهم الشوق إليها لجاجاً طار بعقولهم وذهب بألبابهم، فتراموا على أقدام المنجمين والعرافين لثماً وتقبيلاً، وابتدروا النصب والتماثيل ركوعاً وسجوداً، وهاموا بزاجرات الطير والضوارب بالحصى هيام الإبل العطاش بمنازل الماء، يطلبون ما وراء السريرة!.. والسريرة كنز مرصود لا تنجع فيه النفثات، ولا تجدي معه العزائم والرقي.
إنك لترى الرجل يتلألأ جبينه تلألؤ الكواكب في جنح ليل مبرد، ويفتر ثغره عن الأنوار افترار الأكمام عن الأزهار، فتحسده على نعمته وسعادته، وتتمنى أن لو منحك الله ما منحه من هناء ورغد، وإن بين جنبيه- لو علمت- هما يعتلج، وقلباً يدب فيه اليأس دبيب الآجال في الأعمار، وكبداً مقروحة لو عرضها في سوق الهموم والأحزان ما وجد من يبتاعها منه بأبخس الأثمان.
وإنك لترى الصديق فيعجبك منه حديثه الحلو، وثغره المبتسم، ويروقك منه كلفه بك وإعظامه لك وإعجابه بشمائلك ومحاسنك، وتشيعه لآرائك، ولو كشف لك من نفسه ما كشف له منها، لوددت أن لو تيسر لك أن تبتاع أقدام السليك بجميع ما تملك يدك ففررت من وجهه فرارك من وجه الأسود السالخ، ووددت بجدع الأنف ألا يصافح وجهه وجهك من بعدها حتى في جنات النعيم.
لولا ما أسدل الله على السرائر من الحجب لبدلت الأرض غير الأرض، والسموات غير السموات، وكان للكون نظام غير هذا النظام، وللتاريخ صفحات غير هذه الصفحات.
لو علم الجند أنهم لا يحاربون إلا ليضعوا (نيشاناً) في صدر القائد، أو جوهرة في تاج الملك، وأنهم كثيراً ما يكونون مخدوعين في مواقفهم بأشراك الوطنية وحبائل الدين، لما دالت الدول، ولا انتقلت التيجان، ولضعف ظهر الأرض عن حمل ما فوقه من بني الإنسان. ولو علم جهلة المتدينين أن أكثر زعماء الأديان إنما يشترون منهم عقولهم وأموالهم بالقليل التافه من المدهشات الدينية والأحلام النفسية، ويملؤون قلوبهم بالمخاوف والمزعجات، ليبيعوهم الأمن والسلام بثمن غال، لضعفت أصوات النواقيس، وقصرت قامات المنائر، ولهلك أرباب الطيالس والقلانس جوعاً وسغباً، ولو علم الابن أن أباه يحبه لما يرجوه من منفعته في شيخوخته، وأنه إنما يعجب بنفسه في إعجابه به وثنائه عليه، ويفخر بقوة عقله وحسن تدبيره في فخره بذكائه ونبوغه، لضعفت صلة الود بينه وبينه، ولما كانت بين حلقات الأنساب هذه الوشائج وتلك الأواصر. ولو علمت الزوجة أن زوجها يحب منها جسمها أكثر مما يحب نفسها، وأنه يتربص بها الدوائر ويعد ليومها الساعات والأيام ليستبدل بها خيراً منها، لما وثقت بوده ولا أطمأنت لعهده، ولما كان للمنازل سقوف تظل الأسرة و المهاد.

 

 

 

 

 

 

التوقيع

موقع جائزة الشيخ مران للإبداع العلمي.

http://morran-award.org.sa/index.php

    

رد مع اقتباس