بساطة البدوي الشهم.. كانوا يتحدثون ل(الجزيرة) ويتساءلون ويبحثون عن توصية.. تقودهم للربح السريع.. وكان كل منهم يحاول الانفراد بالمحرر عله يحصل على توصية ثمينة.. فغالبية من قابلناهم.. يتميزون بالقناعة الشديدة.. فأي مربح ولو كان بسيطاً هو ما يسعون لتحقيقه مع أنهم يجهلون تماماً سوق الأسهم.. لدرجة أن غالبيتهم لا يستطيعون ذكر أسماء الشركات ولا يعرفون عنها أي شيء.. ولا عن نشاطها التي تعمل به.. فقد قادتهم رحلة المعاناة مع رعي الأغنام والإبل وغلاء الشعير.. وسهولة الكسب الى الدخول للسوق.
أحدهم يقول بصدق وعفوية بالغة موجهاً حديثه للمحرر: هل لديك أسهم؟ وعندما كانت الإجابة بالنفي قال: يا ولدي ترى الأسهم فلوس.. فلوس.. دبّر حالك مع الناس.. قلت: وماذا حققت من مرابح، قال: تصدق ربحت (2500) ريال وانا جالس خلال ثلاثة أشهر فقط!!
وتحدثوا.. عن استعدادهم للاكتتاب في أية دولة عربية تصلها سياراتهم.. لا سيما وان السفر لا يكلفهم أي شيء.. حيث أنهم يملكون (عزبة متنقلة) فيها خيام صغيرة وينامون في البر.. حتى انتهاء الاكتتاب.
كانت رحلة شيقة ومثيرة
في قرى وهجر الشمالية وإليكم التفاصيل
في البداية التقينا.. بمجموعة من (المساهمين الجدد) والذين تركوا أغناهم وحلالهم لعيون مؤشر الأسهم.. بعد سنوات طويلة جداً مع الرعي وتربية المواشي.. وكان السؤال.. الأهم.. لماذا تخلوا.. عن الأغنام والإبل.
حيث يقول (ابوسالم): لنا أكثر من أربعة عقود.. ونحن نربي المواشي.. ولكن غلاء الشعير.. جعلنا نتخلى عن هذه المهنة الشريفة.. ونتجه لسوق الأسهم.
ويضيف بقوله: تصدق أن سعر كيس الشعير يصل إلى (25) ريالاً فكيف لنا إذن أن نستفيد أو نعيش دون حاجة وبوضع مريح! أما الأسهم فهي سهلة ولا تكلف.. ولا تعب.. ولا هم.. نشتري ونبيع ورزقنا على الله. وعن طريقة شرائه وبيعه.. يقول: والله اني ما أدري وش سالفة هالأسهم.. ولا أعرف عنها شيء.. ومعلوماتي بالأسهم مثل معلوماتك انت بتربية الغنم.. بس عيال الحلال يتصلون عليّ ويقولون اشتر.. وأروح للبنك واشتري.. وإذا قالوا السهم ربح.. رجعت للبنك وبعت.
وعن عدد الغنم التي باعها.. يقول كانت عندي 500 رأس (وقلعتها) كلها.. وكل فلوسي الآن في الأسهم..
ويتدخل أحد القريبين منه قائلاً: أنا ابعرف وشي.. هالأسهم عندي (5000) ولا أعلم وين اشتري.. رحت للبنك وقلت ابشتري.. لكن الموظف رفض..
يقول لازم.. تعطيني رقم المحفظة.. قلت له: ولماذا لا تعطيه.. قال: المحفظة مابها.. شيء.. بس بطاقتي وفلوسي وشلون أعطيها.. عندها فهمت أن صاحبنا.. في وادٍ آخر.. !! حاولت إفهامه وما استطعت ولكن ظل مصراً على وجود (واسطات) في دخول سوق الأسهم، وعندما كنت اتحدث معهم عن الأسهم.. كان هناك رجل بعيد.. غير مؤيد لبيع الغنم.. وينادي بأعلى صوته.. الغنم هي الرزق.. (والله ما ابيع غنمي) بأموال الدنيا كلها.وبعد سؤالي.. عن الأشخاص الذين.. باعوا اغنامهم للتجارة في الأسهم.. توجهت في ضيافة (ابوعايد) والذي يقول: (الشعير ما خلى بنا حيل) والأسهم فلوس.. تجيك وانت جالس.. والغنم.. هم ما ينتهي.. في الربيع.. فقط فيها فائدة.. وبقية الشهور خسارة ما لها عدد.. وعن اكتتابه في دولة الامارات، يقول: جلسنا أسبوعاً في البر.. ولا سكنا لا فنادق ولا هم يحزنون، معنا كامل العزبة وخيمة صغيرة.. وأكلنا وشربنا ولا خسرنا ولا ريال.. واكتتبنا ورجعنا لعرعر وننتظر إن شاء الله عودة باقي فلوسنا.. والأرباح.
ويضيف أحد المسنين الظرفاء قائلاً: كنت (دلال) غنم.. وهالحين دلال أسهم.. أي شركة فيها خير أعرفها.. عن طريق جاري (موظف بالبنك) ويقول.. كل ما يقول اشتر.. اشتري على طول.. وما عمري خسرت.. وعن أكبر مبلغ ربحه.. يؤكد بأنه ربح خلال ثلاثة اشهر (2500) ريال وهو جالس بالبيت!!! وافتك من الدلالة وهمها..
بعدها سألت أحد أهم المساهمين.. في اعتقاد معظم من قابلناهم.. (انت تعتمد على المضاربة أو الاستثمار) في شرائك للأسهم؟ قال: والله انك رجال زين.. بس هالسؤال ما له (سنع). الرجل فينا يربح من دون مضاربة ومصارعة.. حنا نبحث عن الحلال.. ومالنا.. والمضاربة يا ولدي.. نترزق الله بالأسهم.. والله بينا وبين الضرب!!
حاولت.. أن أوضح.. مصطلح (المضاربة اليومية) بما استطعت.. وحاولت أن أبين معنى طريقة (الاستثمار) والذي يسميه (الاستنفار).. وفشلت أيضاً.. قلت.. كيف تشتري إذن علمني.. قال الدعوة بسيطة.. وما هي خفية عليك. اروح للبنك والشركة الخسرانة اشتريها ويوم تربح ابيعها.. لو انتظر سنة!!
قلت: هل تشاهد التداول.. على شاشة التلفزيون.. قال وانت الصادق.. اشوفه بكمبيوتر ولدي.. وشلون تطلع الأسهم بالتلفزيون انت يا ولدي اظنك غشيم وما تعرف شيء!!
وللخروج.. من محاصرة.. ذلك الرجل.. انهيت حديثي.. داعياً له بالتوفيق وتوجهت في ضيافة احد المسنين والمعمرين والذي يبلغ من العمر (130) سنة.. واسمه (شيحات دخان) (ابو المنيخرات) وهو أحد المكرمين أصحاب الضيافة في هجرة (الديدب): يقول: الغنم خير وبركة وعشنا.. طوال هالسنوات نربيها ونأكل منها.. وبيعها غلط.. مهما كانت أرباح المساهمات وأوصاني.. أن لا أبيع غنمي.. اعتقاداً منه.. انني املك.. اغناماً.. ووعدته وغادرت.. مضيفه العامر.
واثناء حديثي في منزل.. احد اخطر المساهمين والذي يؤكد.. بأنه ربح (5000) ريال في شهر واحد فقط.. كانت احدى القنوات الفضائية.. تعرض.. اسعار الأسهم والتداول اليومي.. وقلت له.. هذي الأسهم تستطيع تعرف الرابح من الخسران دون ان تذهب للبنك.. قلت السهم الأخضر (رابح) والأحمر (خسران).
وبعد شرح متواصل اقتنع.. وقال بس وشلون أبيع؟!
لم استطع إجابته.. غير.. أن يتوجه للبنك ويبيع.. لا سيما وأن موضوع (الكمبيوتر) لا يمكن قبوله والايمان بقدرته على البيع.
واثناء حديثنا.. كان صاحب الضيافه.. يحاول إقناع احد الحضور ببيع الغنم ودخول سوق الأسهم: حاولت أن أتدخل.. واقناع الجميع ان الأسهم تحتاج لمعرفة وخبرة وإطلاع.. وان المساهمة تحتمل الربح والخسارة.. وان صابت مرة قد تخطي في مرات. إلا أن هذه الدعوة قوبلت بالاستهجان من الجميع.. وساندني احد الضيوف واسمه (نهار هليل) والذي قال بدوره إن الاسهم طفرة وقد تنتهي بعد سنوات قليلة.. فعلّق أحد الحضور والمساهمين بقوة.. يالله حسن الخاتمة اللي يسمعك يقول اعمارنا اربعين.. ما تنتهي هالطفرة.. وحنا موجودين..
ويقول: أحد الخاسرين.. (ابومحمد).. والله اني نادم على بيع حلالي.. كل ما اشتري اخسر.. ولا ربحت ريال واحد.. والحمد لله.. خسارتي بسيطة.. وهالحين ابحث عن غنم وابي اشتريها.. قلت يا ابومحمد من كان يشتري لك.. قال: الله يستر عليه والله اني خايف انه حسود وغشاش.. يا ولدي كل الناس تربح بس أنا..
ويعلق احد الحضور مخاطباً أبومحمد.. مشكلتنا اننا نبيع كروت العائلة.. كل اسم 100 ريال.. ولو حنا ساهمنا ماخسرنا.. المشتري والبيع ما نقدر عليه.. و(الانتخاب) يقصد الاكتتاب ما به خسارة أبد.. وكل من شارك ربح.
* * *
وبعد وقت طويل وممتع ودعتهم وفي نظراتهم استهجاب لأنني لم أقدم لهم (توصيات) تمكنهم من الربح.. وسمعت وأنا ألملم أوراقي أحد المسنين يقول: كل الموظفين بالجرايد يعرفون زين.. لا يهمك قوله..!! مع السلامة