القس المصري الذي صار معلماً للدين الإسلامي
كانت أمنية "فوزي صبحي سمعان" منذ صغره أن يصبح
قساً يقَبِّل الناس يده و يعترفون له بخطاياهم لعله
يمنحهم صك الغفران و يغسل ذنوبهم بسماعه
الاعتراف ... و لذا كان يقف منذ طفولته المبكرة خلف
قس كنيسة "ماري جرجس" بمدينة الزقازيق ـ عاصمة
محافظة الشرقية بمصر ـ يتلقى منه العلم الكنسي ،
و قد أسعد والديه بأنه سيكون خادماً للكنيسة ليشب
نصرانياً صالحاً طبقاً لاعتقادهما .
و لم يخالف الفتى رغبة والديه في أن يكون خادما
للكنيسة يسير وراء القس حاملاً كأس النبيذ الكبيرة أو دم
المسيح كما يدعون ليسقي رواد الكنيسة و ينال بركات القس .
لم يكن أحد يدري أن هذا الفتى الذي يعدونه ليصير قسا
سوف يأتي يوم يكون له شأن آخر غير الذي أرادوه له ،
فيتغير مسار حياته ليصبح داعية إسلامياً .
يذكر فوزي أنه برغم إخلاصه في خدمة الكنيسة فإنه
كانت تؤرقه ما يسمونها "أسرار الكنيسة السبعة"
و
هي : التعميد ، و الاعتراف ، و شرب النبيذ ، و أكل لحم
المسيح ، و الأب ، و الابن ، و الروح القدس ... و أنه طالما
أخذ يفكر ملياً في فكرة الفداء أو صلب المسيح ـ عليه
السلام ـ افتداءً لخطايا البشرية كما يزعم قسس
النصارى و أحبارهم ، و أنه برغم سنه الغضة فإن عقله
كان قد نضج بدرجة تكفي لأن يتشكك في صحة حادثة
الصلب المزعومة ، و هي أحد الأركان الرئيسية في
عقيدة النصارى المحرفة ، ذلك أنه عجز عن أن يجد تبريرا
واحداً منطقياً لفكرة فداء خطايا البشرية ، فالعدل
و المنطق السليم يقولان بأن لا تزر وازرة وزر أخرى
، فليس من العدل أو المنطق أن يُعَذَّب شخص لذنوب
ارتكبها غيره .. ثم لماذا يفعل المسيح عليه السلام ذلك
بنفسه إذا كان هو الله و ابن الله كما يزعمون؟! .. ألم
يكن بإمكانه أن يغفر تلك الخطايا بدلاً من القبول بوضعه
معلقاً على الصليب؟!
ثم كيف يقبل إله ـ كما يزعمون ـ أن يصلبه عبد من عباده
، أليس في هذا مجافاة للمنطق و تقليلاً بل و امتهانا
لقيمة ذلك الإله الذي يعبدونه من دون الله الحق؟
.. و أيضاً كيف يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو
الله و ابن الله في آن واحد كما يزعمون؟!
كانت تلك الأفكار تدور في ذهن الفتى و تتردد في صدره
، لكنه لم يكن وقتها قادراً على أن يحلل معانيها أو يتخذ
منها موقفاً حازماً ، فلا السن تؤهله لأن يتخذ قراراً و لا
قدراته العقلية تسمح له بأن يخوض في دراسة الأديان
ليتبين الحقائق واضحة ، فلم يكن أمامه إلا أن يواصل
رحلته مع النصرانية و يسير وراء القسس مردداً ما
يلقنونه له من عبارات مبهمة .
و مرت السنوات ، و كبر فوزي و صار رجلاً ، و بدأ في
تحقيق أمنيته في أن يصير قساً يشار إليه بالبنان
، و تنخني له رؤوس الصبية و الكبار رجالاً و نساء
ليمنحهم بركاته المزعومة و يجلسون أمامه على
كرسي الاعتراف لينصت إلى أدق أسرار حياتهم و يتكرم
عليهم بمنحهم الغفران نيابةً عن الرب !!!
و لكن كم حسدهم على أنهم يقولون ما يريدون في حين
أنه عاجز عن الاعتراف لأحد بحقيقة التساؤلات التي تدور
بداخله و التي لو علم بها الآباء القسس الكبار لأرسلوا به
إلى الدير أو قتلوه .
و يذكر فوزي أيضاً أنه كثيراً ما كان يتساءل :
" إذا كان البسطاء يعترفون للقس ، و القس يعترف
للبطريرك ، و البطريرك يعترف للبابا ، و البابا يعترف لله
، فلماذا هذا التسلسل غير المنطقي ؟ ... و لماذا لا
يعترف الناس لله مباشرةً و يجنبون أنفسهم شر الوقوع
في براثن بعض المنحرفين من القسس الذين يستغلون
تلك الاعترافات في السيطرة على الخاطئين
و استغلالهم في أمور غير محمودة ؟! "
لقد كان القس الشاب يحيا صراعاً داخلياً عنيفاً ،
عاش معه لمدة تصل إلى تسعة أعوام ، كان حائراً بين ما
تربى عليه و تعلمه في البيت و الكنيسة ، و بين تلك
التساؤلات العديدة التي لم يستطع أن يجد لها إجابة برغم
دراسته لعلم اللاهوت و انخراطه في سلك الكهنوت ...
و عبثاً حاول أن يقنع نفسه بتلك الإجابات الجاهزة التي
ابتدعها الأحبار قبل قرون و لقنوها لخاصتهم ليردوا بها
على استفسارات العامة برغم مجافاتها للحقيقة و المنطق و العقل .
لم يكن موقعه في الكنيسة يسمح له أن يسأل عن دين
غير النصرانية حتى لا يفقد مورد رزقه و ثقة رعايا
الكنيسة ، فضلاً عن أن هذا الموقع يجبره على إلقاء
عظات دينية هو غير مقتنع بها أصلاً لإحساسه بأنها تقوم
على غير أساس ، و لم يكن أمامه إلا أن يحاول وأد نيران
الشك التي ثارت في أعماقه و يكبتها ، حيث إنه لم يملك
الشجاعة للجهر بما يهمس به لنفسه سراً خيفة أن يناله
الأذى من أهله و الكنيسة ، و لم يجد أمامه في حيرته
هذه إلا أن ينكب بصدق و حماسة سراً على دراسة الأديان الأخرى .
و بالفعل أخذ يقرأ العديد من الكتب الإسلامية ، فضلاً عن
القرآن الكريم الذي أخذ يتفحصه في اطلاع الراغب في
استكشاف ظواهره و خوافيه ، و توقف و دمعت عيناه و هو يقرأ قوله تعالى :
{ و إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و أميَ إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و أنت على كل شئٍ شهيد } [المائدة:116 ، 117]
قرأ فوزي تلك الكلمات و أحس بجسده يرتعش ، فقد وجد
فيها الإجابات للعديد من الأسئلة التي طالما عجز عن
إيجاد إجابات لها ، و جاء قوله تعالى :
{ إن مَثَلَ عيسى عند الله كمَثَل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون } [آل عمران:59]
لقد وجد أن القرآن الكريم قدم إيضاحات لم يقرأها في
الأناجيل المحرفة المعتمدة لدى النصارى . إن القرآن
يؤكد بشرية عيسى عليه السلام و أنه نبي مرسل لبني
إسرائيل و مكلف برسالة محددة كغيره من الأنبياء .
كان فوزي خلال تلك الفترة قد تم تجنيده لأداء الخدمة
العسكرية و أتاحت له هذه الفترة فرصة مراجعة النفس ،
و قادته قدماه ذات يوم لدخول كنيسة في مدينة
الإسماعيلية ، و وجد نفسه ـ بدون أن يشعر ـ يسجد فيها
سجود المسلمين ، و اغرورقت عيناه بالدموع و هو
يناجي ربه سائلاً إياه أن يلهمه السداد و يهديه إلى الدين الحق .. و لم يرفع رأسه من سجوده حتى عزم على
اعتناقه الإسلام ، و بالفعل أشهر إسلامه بعيداً عن قريته
و أهله خشية بطشهم و إيذائهم ، و تسمى باسم "فوزي صبحي عبد الرحمن المهدي" .
و عندما علمت أسرته بخبر اعتناقه الإسلام وقفت تجاهه
موقفاً شديداً ساندتهم فيه الكنيسة و بقية الرعايا
النصارى الذين ساءهم أن يشهر إسلامه ، في حين كان
فوزي في الوقت نفسه يدعو ربه و يبتهل إليه أن ينقذ
والده و إخوته و يهديهم للإسلام ، و قد ضاعف من ألمه
أن والدته قد ماتت على دين النصرانية .
و لأن الدعاء مخ العبادة فقد استجاب الله لدعاء القلب
المؤمن ، فاستيقظ ذات يوم على صوت طرقات على باب
شقته ، و حين فتح الباب وجد شقيقته أمامه تعلن
رغبتها في اعتناق الإسلام .. ثم لم يلبث أن جاء والده بعد فترة و لحق بابنه و ابنته على طريق الحق .
و من الطريف أن يعمل فوزي ـ الآن ـ مدرساً للدين
الإسلامي في مدارس منارات جدة بالمملكة العربية
السعودية .. أما والده فقد توفاه الله بعد إسلامه بعام و
نصف .. و تزوجت شقيقته من شاب نصراني هداه الله
للإسلام فاعتنقه و صار داعية له ، و هو يعمل حالياً إماماً
لأحد المساجد بمدينة الدوحة بدولة قطر حيث يعيش مع
زوجته حياة أسرية سعيدة .
نقلتها من الأخت الأستاذه رشا عزت...