::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - غرائب أخلاق النفس
عرض مشاركة واحدة
قديم 24-03-2007, 10:59 PM   #1
 
إحصائية العضو







ريميه غير متصل

ريميه is on a distinguished road


:e-e-1:. غرائب أخلاق النفس






ينبغي للعاقل ألا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه ، وشدة تلوِّيه وتقلبه وبكائه . فقد

وقفت من بعض من يفعل هذا على يقين ، أنه الظالم المعتدي المفرط الظلم . ورأيت بعض المظلومين

ساكن الكلام ، معدوم التشكي ، مظهرًا لقلة المبالاة ، فيسبق إلى نفس من لا يحقق النظر أنه ظالم ،

وهذا مكان ينبغي التثبت فيه ، ولغالبة ميل النفس جملةً ، وأن لا يميل المرء مع الصفة التي ذكرنا ولا

عليها ، ولكن يقصد الإنصاف بما يوجبه الحق على السواء .

من عجائب الأخلاق أن الغفلة مذمومة ، وأن استعمالها محمود ، وإنما ذلك لأن من هو مطبوع على

الغفلة يستعملها في غير موضعها ، وفي حيث يجب التحفظ ، وهو مغيب عن فهم الحقيقة ، فدخلت تحت

الجهل فذمت لذلك . وأما المتيقظ الطبع ، فإنه لا يضع الغفلة إلا في وضعها الذي يذم فيه البحث

والتقصي والتغافل ، فهمًا للحقيقة ، وإضرابًا عن الطيش ، واستعمالاً للحلم ، وتسكينًا للمكروه ، فلذلك

حمدت حالة التغافل وذمت الغفلة ، وكذلك القول في إظهار الجزع وإبطانه ، وفي إظهار الصبر وإبطانه

، فإن إظهار الجزع عند حلول المصائب مذموم لأنه عجز مُظْهره عن مِلْك نفسه ، فأظهر أمرًا لا فائدة

فيه ، بل هو مذموم في الشريعة ، وقاطع عما يلزم من الأعمال ، وعن التأهب لما يتوقع حلوله مما

لعله أشنع من الأمر الواقع الذي عنه حدث الجزع . فلما كان إظهار الجزع مذمومًا ، كان إظهاره ضده

محمودًا ، وهو إظهار الصبر ؛ لأنه ملك للنفس ، واطَّراح لما لا فائدة فيه ، وإقبال على ما يعود وينتفع

به في الحال ، وفي المستأنف . وأما استبطان الصبر فمذموم ، لأنه ضعف في الحس ، وقسوة في

النفس ، وقلة رحمة ، وهذا أخلاق سوء لا تكون إلا في أهل الشر ، وخبث الطبيعة ، وفي النفوس

السبعية الرديئة . فلما كان ما ذكرنا يقبح ، كان ضده محمودًا وهو استبطان الجزع لما في ذلك من

الرحمة والشفقة والفهم بقدر الرزية ، فصح بهذا أن الاعتدال هو أن يكون المرء جزوع النفس صبور

الجسد ، بمعنى أنه لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء من دلائل الجزع . ولو علم ذو الرأي

الفاسد ما استضر به من فساد تدبيره في السالف لأنجح بتركه استعماله فيما يستأنف ،

 

 

 

 

    

رد مع اقتباس