::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - موقف الازهر من سيد قطب(عفا الله عنه)
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-2006, 11:35 AM   #3
 
إحصائية العضو







أبو عبيد غير متصل

أبو عبيد will become famous soon enough


افتراضي رد: موقف الازهر من سيد قطب(عفا الله عنه)

وهذا رأي آخر من موقع إسلام أون لاين:


هل يعتبر سيد قطب رحمه الله من دعاة التكفير؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كم أحببت الأستاذ سيد قطب وكتاباته، وكم كانت فرحتي عظيمة إذ وجدت أحد مستشاريكم الأفاضل ذات يومٍ يدافع عن الأستاذ سيد قائلا: "من وجهة نظري الخاصَّة، وبعد اطِّلاعي على كتابات الأستاذ "سيِّد" سواءً الإسلاميَّة أو الأدبيَّة أو التي سبقت التزامه، وصلت إلى حقيقةٍ أقنعتني واقتنعت بها ولا أُلزِم بها أحدًا، وهي أنَّه رحمه الله تعالى أسيء فهمه، لأنَّ من قال ما قال لم يقرأ لـ"سيِّد"، ولم يعِ أسلوبه وأدواته في الكتابة، ولو أمعن الناقدون له في كتاباته وأسلوبه لفهموا -كما فهمت- أنَّ الأستاذ "سيِّدا" أبعد ما يكون عن القول بوحدة الوجود أو بتكفير المجتمع، وكلُّ كتاباته توحي باعتقادٍ سليمٍ في الله تعالى، وبحبٍّ للناس والمجتمع يفوق الوصف، ولا ينفع معه أن يكون قائل هذه الكلمات مكفِّراً له.
قد يذكر بعض الناس كلماتٍ للأستاذ "سيِّد" توحي بشيءٍ ممَّا يتَّهمونه به، غير أنِّي أطلب منهم أن يتعاملوا مع هذه الكلمات بمنهج الشريعة التي تطالبنا بتجميع النصوص، والتوفيق بينها، واعتبار أنَّ بعضها يفسِّر بعضها الآخر، فالمجمل مفصَّلٌ في مكانٍ آخر، والمبهم مبيَّنٌ في سياقٍ ثان، وهكذا".
ولكني كم صدمت بعدما قرأت ما كتبه الشيخ القرضاوي -وهو من هو في علمه وورعه- في حلقةٍ أخيرة من مذكراته، إذ قال : "وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب، هو ركونه إلى فكرة "التكفير" والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه في مواضع كثيرة ومتفرقة من "الظلال" ومما أفرغه في كتابه "معالم في الطريق" أن المجتمعات كلها قد أصبحت "جاهلية". وهو لا يقصد بـ "الجاهلية" جاهلية العمل والسلوك فقط، بل "جاهلية العقيدة" إنها الشرك والكفر بالله، حيث لم ترضَ بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهةً أخرى، استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين، والقيم والموازين، والأفكار والمفاهيم، واستبدلوا بها شريعة الله، وأحكام كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم" انتهى.
كم كنت أتمنى ألا يكون هذا صحيحًا، ولكن الأمور ليست بالتمني ، والحقُّ حقٌّ رغمًا عني وعن كل أحد.
أنا مرتبكٌ ومتحيرٌ، وأتساءل: "أينبغي عليَّ إذن أن أكون شديد الحذر وأنا أقرأ كتابًا مثل الظلال حتى لا أتأثر بالأفكار التكفيرية الواردة فيه أم ماذا؟ وأين الحقيقة؟"


الإجابة


يقول الدكتور كمال المصري:

أخي الكريم؛

أشكرك جدًّا على طرحك لهذا الموضوع الجيد الذي أرى أنه يحتاج إلى توضيحٍ وإجلاءٍ شديدين.
والواقع هو أنني أنا من كتبت تلكم الكلمات التي نقلتها يا أخي محمود عن الأستاذ "سيد"، وما زلت أراها تتضح أكثر وأكثر ويزداد اقتناعي بها كلما ازددت قراءةً في ما كتب الأستاذ "سيد"، ولذلك سأكتب بعض التعليقات على مقولة تكفير الأستاذ "سيد" للمجتمع هذه، والتي أثارها عديدٌ من الناس بعضهم بحسن نية وبعضٌ آخر بسوء نية، ولكنني قبل أن أضع هذه التعليقات يجب أن أقرر بوضوحٍ شديدٍ ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: أن الأستاذ "سيدًا" لا يعدو عن كونه بشرًا يصيب ويخطئ، ويُؤخَذ من كلامه ويُردُّ، وأنه لا معصوم إلا الحبيب صلى الله عليه وسلم، لذا ليس يعيبه أن يخطئ، بل يكفي المرء شرفًا أن تُعَد معايبه لقلتها وندرتها. لذا عندما أضع تعليقاتي على مقولة التكفير هذه أنا لا أدافع عن الأستاذ "سيدٍ" لمجرد أنه لا يخطئ، بل لأنني أرى أنه لم يقل بهذا الرأي ولم يكن يعنيه بحال حتى عند حديثه عن الجاهلية والردة وغير ذلك، وهذا لا يعني أنه لا يخطئ، بل أرى أنه رحمه الله تعالى جانبه الصواب في مسائل أخرى كمسألة التجديد، وفهمه لمعنى الجهاد، وغير ذلك، وهي مسائل فقهية مرتبطة بالواقع الذي يعيش فيه المرء، والخلاف حولها قديمٌ بين العلماء.
كما أن ما سأستدل به لا يعفي من فهم من كتاباته التكفير من المسئولية عليه هو شخصيًّا لا على من قال كلامًا قد يُفهَم منه ذلك.


المسألة الثانية: أن نعرف ونفهم وندرك بوضوحٍ وجلاءٍ أن الأستاذ "سيدًا" رحمه الله تعالى "أديبٌ" وليس "بفقيهٍ ولا أصوليٍّ"، وما هو مطلوبٌ من "الأديب" ليس هو ذاته المطلوب من "الفقيه أو الأصوليّ"، وحين يكتب "الأديب" لا يكون محدَّدًا ودقيقًا وجازمًا في كلامه، ولا مطلوبٌ منه ذلك، بينما حينما يكتب "الفقيه أو الأصوليُّ" فلا مجال للبس في ما يكتب أو يستدل، بل يجب أن يكون واضحًا دقيقًا ومحدَّدًا، حتى لا يلتبس الفهم على أحد. إننا إن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا ندرك أن ما كتبه الأستاذ "سيد" كان كتابة أديبٍ يحمل في طيات كلماته المجاز والبلاغة وجمال العبارة وعدم المباشرة حتى وهو يكتب في "ظلال" القرآن الكريم وآياته، وحتى وهو يتطرق لمفاهيم ومصطلحات إسلامية.
وإن فهمنا هذه الخلفية واستوعبناها جيِّدًا كذلك نعرف أن نظرتنا لكتاباته على أنها آراء وأقوال صدرت من فقيهٍ أو أصوليٍّ، وتحميل هذه الأقوال بما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون من محدداتٍ واصطلاحات كان خطأً كبيرًا أدى بنا إلى هذا الفهم الذي ما كان ليصلنا لو تعاملنا مع كتاباته تعاملاً سليمًا من البداية.


المسألة الثالثة: أن قضية اختلاف الرأي، ووجود الرأي والرأي الآخر، مسألةٌ أصيلةٌ علينا أن نقبلها ونتقبلها بصدرٍ رحبٍ، فليس معنى دفاعي عن وجهة نظري في كتابات الأستاذ "سيد"، ليس معنى هذا تجريحي أو طعني أو اتهامي لمن خالفني الرأي، وإنما هو وجهات نظرٍ، واختلافٌ في الرأي، من حقِّ كلِّ أحدٍ أن يرى ويكتب ما يقتنع به، مع حفظ الودِّ والاحترام بين جميع الأطراف، مع التأكيد على عدم رفض كلِّ ما يأتي من هذا الطرف أو ذاك لمجرد أنه من فلانٍ الذي خالفته في مسألةٍ ما، ويبقى لكلٍّ فضله ومكانته ومنزلته.
إن مساحة سعة الصدر عند الاختلاف يجب أن تتأكد وتتضح، ويبقى الودُّ هو الأصل والأساس.


وجب التنويه إلى هذه المسائل الثلاث كي تتوضح الرؤى، وحتى لا يساء فهم ما أكتب، أو يساء استخدامه.


أما تعليقاتي على مقولة تكفير الأستاذ "سيد" للمجتمع، فأرى أنها خاطئة نتجت عن سوء فهمٍ لما كتب، وعن عدم إدراك "أدبيته" لا "فقهيته"، وعن اجتزائها من سياق كتابات الأستاذ "سيد"، وعدم ربطها بأفعاله، فهو لم يكن يومًا مكفِّرًا للمجتمع بالصورة التي فهمها من فهمها هكذا، ودلائلي على ذلك متعددة ومتنوعة المشارب، وهي:
1- "الظلال" و"المعالم" بين "القارئين" و"المكفِّرين":
لقد قرأ "الظلال" و"المعالم" الملايين، ولكن كم منهم فهم منهج التكفير من هذه الكتب وتبنى هذا المنهج؟؟
"القطبيون" المكفِّرون الذين ظهروا متأثرين بهذا الفكر ظهروا نتيجةً لظروف التعذيب والإذلال التي رأوها في السجون، فوجدت أفهامهم في كلمات الأستاذ "سيد" ملاذًا لهم وحجةً لتعويض إحساسهم بالقهر الذين يرونه ليل نهار، وأفهامهم هذه كانت ستصل إلى نفس النقطة حتى ولم تكن كتابات الأستاذ "سيد" موجودة، لأنهم يريدون هذا، فليست المشكلة في كتابات الأستاذ "سيد"، وإنما المشكلة في الظروف التي أوصلتهم لما وصلوا إليه، ولو لم يجدوا كتابات الأستاذ "سيد" لبحثوا لهم عن كتابات وحججٍ أخرى.
أعود لتساؤلي السابق: لقد قرأ العالَمون "الظلال" و"المعالم"، فلِمَ لم يظهر منهج التكفير إلا من هذه الفئة القليلة؟؟؟
إن المشكلة في الظروف المحيطة وفي أفهام هؤلاء، وليست في ما كتب الأستاذ "سيد".


2- المكفِّرون وعدم اعتماده عندهم كمرجع:
بالمشاهدة والقراءة والمعرفة، تأكد لي أن الكيانات "التكفيرية" التي قامت في أوساط المسلمين لم يقم أيٌّ منها بالاستشهاد أو الاستدلال بكتابات الأستاذ "سيد"، بل إن عددًا من هذه الكيانات قد كفَّرته وأخرجته من ملة الإسلام، ولو كانت كلماته تعطيهم الحجة لما وصلت إليه أفهامهم من تكفير المسلمين، لما كانوا تراجعوا لحظةً عن الاستدلال والاستشهاد بها بدل تكفيره.
وحتى ادعاء عديدٌ من الكتَّاب أن شكري مصطفى قائد جماعة "التكفير والهجرة" -أو "جماعة المسلمين" كما كانت تسمي نفسها- كان منبع فهمه وفهم جماعته كتابات الأستاذ "سيد"، حتى هذا الادعاء هو ادعاءٌ باطلٌ، ولا أدلَّ على ذلك من نقلي لهذه الكلمات التي وردت في كتابٍ طرحته الجماعة الإسلامية في مصر ضمن إصداراتها لعام 1997م، تردُّ فيه على الشيخ الألباني وتؤكد فيه ما أقول، وهذا نصٌّ من هذا الكتاب:
"ثالثًا: وبعد بيان خطأ الكاتب فيما نسبه للجماعة الإسلامية، نحب أن نؤكد له ولغيره أن الجماعة الإسلامية تقدر الأستاذ سيد قطب رحمه الله أعظم التقدير، وله في قلوب أبنائها مكانة خاصة، بيد أن الجماعة لم تنسب منهجها إلى الظلال أو المعالم ولم تقل إنها أخذت فكرها منهما وإن كانت كثيراً ما تستشهد بأقواله رحمه الله باعتباره واحداً من دعاة الإسلام ورجاله المعدودين في هذا العصر .
إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال .
رابعًا: وإن الإنصاف ليقتضي هنا أن أبريء ساحة الجماعة التي تسمي نفسها جماعة المسلمين من جزء مما نسبه إليها الكاتب، فإنه وإن كان شكري قد قال بكثير مما نسبه الكاتب إليه إلا أن المعروف أن شكري لم ينسب ذلك إلى الأستاذ سيد رحمه الله، وقد قرأ كاتب هذه السطور بعضًا من مخطوطات شكري -غفر الله له- وقابل الكثيرين من أتباعه وناقشهم، ويمكنني من خلال ذلك كله أن أقول إن شكري لم يكن يعتد بأقوال أحد من العلماء المتقدمين ولا المتأخرين، وكان يرى الحجة في القرآن والسنة وحدهما، وكان يرى أن معجمًا لغويًّا يكفي لفهم القرآن والسنة مع الاستعانة بأدلة الفطرة أو الأدلة العقلية، وما سيد قطب عند شكري إلا كغيره من الناس لا يعتد به ولا ينسب فهمه إليه، وقد يكون تأثر به في بداية سجنه، ولكن الحديث هنا ليس عن روافد شكري الفكرية، وإنما هو عن الأسس التي أقام عليها جماعته" انتهى من كتاب "وقفات مع الشيخ الألباني حول شريط (من منهج الخوارج)"- الطبعة الأولى- 1418هـ1997م– من إصدارات الجماعة الإسلامية بمصر.


ومع تذكيري بما أشار إليه هذا الكتاب من عدم اعتماد الجماعة الإسلامية أو شكري مصطفى كتابات الأستاذ "سيد" كمستندٍ لاعتقاداتهم، إلا أنني أحب التأكيد على عبارةٍ مهمةٍ وردت في هذا الكتاب، وهي قولهم: "إننا نؤكد أن الجماعة الإسلامية لم تكن يومًا من هؤلاء الذين نسبوا إلى الأستاذ سيد رحمه الله ما لم يقله وادعوا زورًا أنه في المعالم أو الظلال" فهنا نجد أن الجماعة الإسلامية نفسها وصفت من ادعى أن الأستاذ "سيدًا" كان يقول بتكفير المسلمين، وصفت ذلك بأنه زورٌ لم يقله الأستاذ "سيد"، ولم تحمل كتبه هذا الفهم، وأظن أن هذا من أهم وأدق الأدلة على ما نقول.


3- مقتطفات من "الظلال":
سأنقل هنا بعض مقتطفاتٍ من "في ظلال القرآن"، وهي على صنفين:
الأول: نقولات استدل بها القائلون بتكفيره للناس، وسأضعها في سياقها لإدراك معنى هذه الكتابات في سياقها وليس عبر اجتزائها.
الثاني: نقولات توضح نظرته للناس وللمجتمع، لتوضيح نظرته للناس، وضرورة الجمع بين مقولاته لفهم أفكاره وآرائه.

نقولات النوع الأول:
- "إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولةٌ مسلمةٌ ولا مجتمعٌ مسلمٌ قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي" (ظلال مقدمة سورة الحجر).
فنفيه الإسلام عن الدولة والمجتمع لم يكن نفيًا مطلقًا أو عامًّا، وإنما كان يتحدث عن معنى مقيَّدٍ واضحٍ هو عدم وجود دولةٍ أو مجتمعٍ يعتمد الشريعة كاملةً كمنهج حياةٍ والفقه الإسلاميَّ كمبدأ تحاكمٍ وقضاء.


- "إن هذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إلهٌ واحدٌ، يدبِّر أمره و(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا).. وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية تعبّد العبيد، والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئًا من هذا فقد ادعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلهًا من دون الله.
وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عندما تتعدد الآلهة في الأرض على هذا النحو، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبدٌ من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: (أنا ربكم الأعلى)" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 58- 64).
فحديثه هنا واضحٌ في مسألة اتخاذ الأرباب من دون الله تعالى، والتأله، والقيام بحق التشريع للبشرية، وهذه كلها لله تعالى وحده، وكلامه كله هنا عن هذا الذي قام بتعبيد الناس له، ولم يتحدث حرفًا واحدًا عن الناس الذين استعبدوا، ولم يتطرق لتكفيرهم.


نقولات النوع الثاني:
- "وقد بهتت صورة الزكاة في حسنا وحس الأجيال التعيسة من الأمة الإسلامية التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع؛ ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي أو التعاون البريء من الربا".
ثم يقول: "إن الله سبحانه يعد الذين يقيمون حياتهم على الإيمان والصلاح والعبادة والتعاون أن يحتفظ لهم بأجرهم عنده، ويعدهم بالأمن فلا يخافون، وبالسعادة فلا يحزنون، لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، في الوقت الذي يوعد أكلة الربا والمجتمع الربوي بالمحق والسحق وبالتخبط والضلال وبالقلق والخوف.
وشهدت البشرية ذلك واقعًا في المجتمع المسلم؛ وتشهد اليوم هذا واقعًا كذلك في المجتمع الربوي، ولو كنا نملك أن نمسك بكل قلب غافلٍ فنهزه هزًّا عنيفا حتى يستيقظ لهذه الحقيقة الماثلة، ونمسك بكل عينٍ مغمضة فنفتح جفنيها على هذا الواقع، لو كنا نملك لفعلنا، ولكننا لا نملك إلا أن نشير إلى هذه الحقيقة، لعل الله أن يهدي البشرية المنكودة الطالع إليها والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن والهدى هدى الله" (سورة البقرة- ظلال الآية 177).


فالأستاذ "سيد" وصف الأمة اليوم بالأمة الإسلامية رغم أنه يراها أمةً تعيسة، غير أنه لم ينفِ عنها إسلامها، ثم ذكر بعد ذلك حرصه وحرقة قلبه وروحه على إيقاظها من غفلتها، ولو كان برى فيها كفرًا أكان يحترق قلبه عليها؟؟

- "وكانوا يدركون -أي العرب قبل الإسلام- أن الإسلام والإسلام وحده هو الذي جعل لهم رسالة يقدمونها للعالم، ونظرية للحياة البشرية، ومذهبًا مميزًا للحياة الإنسانية، والأمة لا توجد في الحقل الإنساني الكبير إلا برسالة ونظرية ومذهب تقدمه للبشرية لتدفع بالبشرية إلى الإمام، وقد كان الإسلام وتصوره للوجود ورأيه في الحياة وشريعته للمجتمع وتنظيمه للحياة البشرية ومنهجه المثالي الواقعي الإيجابي لإقامة نظام يسعد في ظله الإنسان، كان الإسلام بخصائصه هذه هو بطاقة الشخصية التي تقدم بها العرب للعالم فعرفهم واحترمهم وسلمهم القيادة، وهم اليوم وغدا لا يحملون إلا هذه البطاقة ليست لهم رسالة غيرها يتعرفون بها إلى العالم وهم إما أن يحملوها فتعرفهم البشرية وتكرمهم ; وإما أن ينبذوها فيعودوا هملا كما كانوا لا يعرفهم أحد ولا يعترف بهم أحد"
ثم قال: "إن الأرض تعج بالفلسفات والمذاهب والمناهج الأرضية وتشقى بها جميعا غاية الشقاء، ماذا إذن يقدمون للبشرية لتعرفهم به وتعترف لهم بالسبق والتفوق والامتياز؟ لا شيء إلا هذه الرسالة الكبيرة، لا شيء إلا هذا المنهج الفريد، لا شيء إلا هذه المنة التي اختارهم الله لها وأكرمهم بها وأنقذ بها البشرية كلها على أيديهم ذات يوم، والبشرية اليوم أحوج ما تكون إليها وهي تتردى في هاوية الشقاء والحيرة والقلق والإفلاس، إنها وحدها بطاقة الشخصية التي تقدموا بها قديما للبشرية فأحنت لها هامتها، والتي يمكن أن يقدموها لها اليوم فيكون فيها الخلاص والإنقاذ.
إن لكل أمة من الأمم الكبيرة رسالة، وأكبر أمة هي التي تحمل أكبر رسالة، وهي التي تقدم أكبر منهج، وهي التي تتفرد في الأرض بأرفع مذهب للحياة، والعرب يملكون هذه الرسالة وهم فيها أصلاء، وغيرهم من الشعوب هم شركاء فأي شيطان يا ترى يصرفهم عن هذا الرصيد الضخم؟ أي شيطان؟ لقد كانت المنة الإلهية على هذه الأمة بهذا الرسول وبهذه الرسالة عظيمة عظيمة، وما يمكن أن يصرفها عن هذه المنة إلا شيطان وهي مكلفة من ربها بمطاردة الشيطان" (سورة آل عمران- ظلال الآيات 159- 164).

فلو كان الأستاذ "سيد" يرى تكفير الأمة، أكان يجعلها مكلفةً من ربها بمطاردة الشيطان؟؟ أيكلف الله تعالى الكفار بمطاردة الشيطان؟؟؟!!!

هذا ما عنيته بالجمع بين كتاباته، فما وجدته يحمل معنى في مكان ستجد تفسير هذا المعنى في مكان آخر، فتحمل هذا على ذاك، وتفهم النصوص في سياقاتها الطبيعية.


4- مقتطفات من "أفراح الروح":
هذا الكتاب عبارة عن رسالة أرسلها الأستاذ "سيد" لأخته، ونشرت هذه الرسالة في كتابٍ عُنوِن بـ"أفراح الروح"، وهو رغم صغره وعدم شهرته إلا أنه يحمل في طياته فكرًا محبًّا للعالم والناس، يجعل من الصعوبة بمكانٍ أن يكون كاتب هذه الكلمات مكفِّرًا للناس والمجتمعات.
وهذه نبذة مما احتوته هذه الرسالة:
- "إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة‘ حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!".
- "عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرا كثيرا قد لا تراه العيون أول وهلة!…
لقد جربت ذلك. جربته مع الكثيرين… حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور".
- "كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".
- "حين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحا، أو أطيب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذكى منهم عقلا، لا نكون قد صنعنا شيئا كبيرا… لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبيل وأقلها مؤونة!.
إن العظمة الحقيقية: أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع!".
- "بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!.
إنها لذة سماوية عجيبة ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيا، لأن جزاءها كاملا فيها!".


5- لماذا أعدموني؟
هذا الكتاب هو عبارة عن تجميعٍ لإفادات الأستاذ "سيد" عند التحقيق معه قبل الحكم لإعدامه، وهو من الأهمية بمكانٍ لأنه يُعتبَر آخر ما وصل إليه الأستاذ "سيد" من مفاهيم وآراء، وفي هذا الكتاب كلامٌ كثيرٌ عن منهجية التغيير عند سيد، وكيف رد مجموعة من الانقلابيين عن فكرهم الانقلابي.
وهذان نصَّان أنقلهما من هذا الكتاب:
- "ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به". فلو كان يرى كفر المجتمع لما كانت لديه مشكلة في أن تتم عملية التغيير بأي شكلٍّ وبأي خسائرٍّ من هؤلاء "الكفار" من أفراد المجتمع.


- "ويجب أن أقرر أن الإسلام شيءٌ أكبر من هذا كله.. إنه نظام حياة كاملة، وإنه لا يقوم إلا بتربية وتكوين للأفراد، وإلا بتحكيم شريعة الله في حياة الناس بعد تربيتهم تربية إسلامية، وإنه ليس مجرد أفكارٍ تُنشَر أو تذاع بدون الأخذ في تطبيقها عمليًّا في التربية أولاً، وفي نظام الحياة والحكم أخيراً". فالمقصود هنا هو أن الإسلام نظام شامل وليس مجرد صلاة وصيام وحج، وما من مسلم بله أن يكون عالمًا إلا ويقول بذلك، وكل حديث الأستاذ "سيد" كان عن ضرورة أخذ الإسلام كله، وهذه هي عبارة النص عنده "كما يقول الأصوليون في طرق دلالة النصوص"، ولم يكن معنيًّا هنا الحديث عن تكفير الناس، وإنما فَهِمه الناس ضمنًا عبر مفهوم المخالفة، وهو فهمٌ لا يستقيم حين نبحث عن دلالة نصه وعن مقصده من ورائه.
أما من فهم ما فهم فهذا يرجع له ويُحمَل عليه، وليس على قائل الكلام، وقد أشرت سابقًا أن من فهم هذا الفهم إنما فهمه لظروف الحالة التي كان عليها، والتعذيب الذي كان يعيشه ليل نهار، فاتجه فكره لتكفير هؤلاء الظلمة المعذِّبين وللمجتمع الساكت عليهم، ويبقى فهمهم هذا لهم أو عليهم، ولا يحمَّل على قائله بحال.


6- نقولات من أقوال العلماء والشيوخ:
- الدكتور يوسف القرضاوي:
"الأستاذ سيد رحمه الله قال بجاهلية المجتمعات، ويعني بالمجتمعات الأنظمة الحاكمة التي لا تلتزم بشريعة الإسلام، وعدم الالتزام بشريعة الإسلام يمكن أن يفسر بترك الاحتكام أو بترك الالتزام، ترك الالتزام يعني الرفض، وهذا لا يُشكُّ في كفر من فعل هذا، ولذلك العلمانية الصريحة التي تقبل الإسلام عقيدةً وترفضه شريعةً هذا لا يُشكُّ في كفر من فعل ذلك وهذا الذي ينطبق عليه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فينطبق على من رفض الشريعة أساسًا" حلقة من برنامج "الشريعة والحياة" بتاريخ 21/1/2001.
فالشيخ القرضاوي هنا نفى تهمة تكفير المجتمع عن الأستاذ "سيد"، وذكر أن تكفيره كان للأنظمة الحاكمة، ثم أيَّد هذا التكفير بشكلٍ من الأشكال، ولا يعنينا هنا الحديث عن تكفير الحكام سواءً رفضنا هذا الرأي أو قبلناه، وإنما يعنينا محل الخلاف في المسألة وهو "تكفير المجتمع والناس".
وتأكيدًا لهذا المعنى، ولخوف الشيخ القرضاوي من أن يخطئ الناس الفهم، -لاحظوا أن يخطئ الناسُ الفهم لا أن يقول الأستاذ "سيد" بالتكفير- لخوف الشيخ القرضاوي حذر في نفس الحلقة من قراءة كتب الأستاذ "سيد" إلا للشباب المتمكنين الراسخين، فقال: "أنا لا أنصح إلا الشاب المتمكن الراسخ الذي يستطيع أن يقرأ لأي كاتب ولكنه لا يكون أسيرًا له، أنا أنصح الشباب إذا قرؤوا كتابًا لمؤلفٍ ما مهما كان قدره، سيد قطب على أعيننا ورؤوسنا، ونقول عنه الشهيد سيد قطب لأنه مهما كان قُتل مظلومًا، ولكن أقول إذا قرأ الإنسان لسيد قطب، وقرأ لغيره، لابد أن يقرأ وعنده أصولٌ راسخةٌ يرجع إليها، ويُأَوِّل بعض كلامه الذي يمكن أن يُأَوَّل، وإذا لم يستطع أن يُأَوِّل يرفضه، لأنه سيد قطب ليس معصومًا، سيد قطب بشر". وهذا عين ما نعنيه هنا، غير أنني أرى إمكانية التأويل، وأظن أن نقولاتي واستدلالاتي السابقة تؤيد ذلك وتؤكده.


- الشيخ سلمان العودة:
"وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم... إلى أين؟ لا أدري!
وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات وترك العمل فيها واعتزالها، وفهمت كلمة سيد -رحمه الله- عن (العزلة الشعورية) بتكثيفٍ قويٍّ، وترميزٍ شديدٍ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق.
والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتبٍ ما، ليست أمرًا خاصًّا وقع مع سيد قطب رحمه الله وحده، لكنها مشكلة تراثية يعاد إنتاجها الآن مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد، من المتقدمين والمعاصرين". واستشهد فضيلته بأمثلةٍ ثم قال: "وكلما كان العالِم أوسع انتشارًا، وأكثر أتباعًا، وأوغل في الرمزية -لأي سببٍ- كان الأمر بالنسبة له أشد، وكانت المشكلة أظهر، لكنها تخف تدريجيًّا بتقدم الزمن، ولو من بعض الوجوه.
هذه ليست مشكلة العالِم أو المفكر، بقدر ما هي مشكلة القارئ أو المتلقي؛ وأيًّا ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة، وقديمًا كان علي رضي الله عنه يقول قولته المشهورة: "يهلك فيَّ رجلان: غالٍ وجافٍ".
والخلاصة: أن سيد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويترك، ويصيبون ويخطئون، ويُردُّون ويُردُّ عليهم، وهم إن شاء الله بين أجرٍ وأجرين، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل، أو مائة مسألة فلعلهم -بإذن الله- ألا يحرموا أجر المجتهد" انتهى من مقالةٍ بعنوان "رأيي في سيد قطب" للشيخ سلمان العودة.


ما أود التنبيه إليه هنا هو مسألة القراءة الحرفية الظاهرية للكلام التي أشار إليها الشيخ سلمان العودة، والتي أظن أنها السبب الرئيسي لما التبس من فهم لكتابات الأستاذ "سيد" في أذهان الناس.


وختامًا.. يهمني أن أذكر أنه قد حدثني من أثق أنه سمع ممن عايش الأستاذ "سيدًا" أنه سئل هل يرى تكفير المجتمع، فكانت إجابته بالنفي القاطع لذلك واستغرابه ممن قال بذلك أو فهم هذا من كتاباته.. ولعلها شهادةٌ تنهي الخلاف في هذه القضية.


أخيرًا..
هذا ما أراه.. وهذا ما أدين به نحو هذا الرجل "الأستاذ سيد".. ليس تقديسًا له ولا عصمًا من الخطأ، ولكن لأنني عشت في ظلال كلماته طويلاً، فوجدت أن من واجبي أن أقول فيه كلمةً رأيت من وجهة نظري أنها الصواب، مع اعتقادي الكامل بحرية اختلاف الآراء، وتعدد وجهات النظر، ولكلِّ إنسانٍ ما يراه.

اللهم ارزقنا الإخلاص والفهم.. واغفر لنا ولعلمائنا ولمعلِّمينا.. واحفظ أمتنا من الزلل والخطأ.. آمين.

 

 

 

 

    

رد مع اقتباس