ابني تغير : انه لم يعد ذلك الطفل المطيع , لقد بدأ يعاندني بل يخالفني في كثير من القضايا , لم يتقبل كل ما اقول له عن كثير من قضايا الحياة بكل سهولة كما عهدته من قبل , فقد يجادل ويناقش وقد يرفض التسليم بما اقول. حتى الانشطة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة كزيارة بعض الأقارب أو حضور مناسبة اجتماعية يرفض الذهاب مع الأسرة الى كثير منها ويصر على البقاء في البيت أو مع زملائه. انه يصر على السهر , ويمضي مع زملائه وقتا ربما أطول مما يقضيه مع والديه واخوانه.
هذه عبارات يرددها كثير من الآباء والأمهات متحدثين عن ابنائهم عندما يصلون الى المرحلة المتوسطة أو بعد التحاقهم بها بسنة أو سنتين.هذه الشكاوى قد تقولها الأمهات عن بناتهن أيضا مع بعض الخلافات البسيطة, فقد تكون الشكوى حول الاصرار على ملابس معينة أو البقاء على الهاتف لفترات طويلة, وغيرها من الشكاوى.
وقد يتحدث الوالدان عن سرعة غضب ابنائهما وغير ذلك من الملاحظات التي تؤكد التغير الذي يتحدثون عنه.
ومع ان هذا الوصف قد يكون فيه بعض المبالغة من قبل الآباء والأمهات, وقد لاتجتمع هذه الأوصاف في ابن او بنت واحدة الا انه يحمل كثيرا من الصحة فالأبناء والبنات لم يعودوا أطفالا, وهم يمرون بمرحلة انتقالية بين مرحلة الطفولة ومرحلة الراشدين , انها مرحلة المراهقة.
هذه المرحلة الأنتقالية وما يصاحبها من تغيرات جسمية ونفسية قد لايجد بعض الآباء سهولة في تقبلها أو التعامل المناسب معها , وهذا راجع لعدد من الأمور منها:
اولا
الجهل بطبيعة هذه المرحلة وما لها من خصائص تميزها عن غيرها من المراحل. ومع ان جميع الآباء والأمهات قد مروا بمثل هذه المرحلة فان كثيرا منهم قد نسي ماكان يحس به وكيف كان ينظر للكبار والحياة بشكل عام عندما كان في تلك المرحلة.
وثانيا
أن الوالدين ينظران دوما لأبنائهم على أنهم لا زالوا صغارا وليس من السهولة تقبل أنهم أصبحوا كبارا يستقلون برأيهم وتصرفاتهم لأن في هذا الاعتراف شعور داخلي بأن ذلك يعني فقط السلطة على الأبناء , واشعار بكبر الآباء. مع ان هذه المشاعر قد يخالطها شعور بالافتخار لتحول الابناء الى رجال يقفون مع والدهم في شؤن الحياة والبنات الى نساء يقفن في صف والدتهن. ان الوالدين يريدان مزايا تلك التحولات لكن لايريدان التنازل عن بعض الأمور التي تتطلبها هذه المرحلة.
ولايعني هذا الكلام أن ماذكر في مطلع الكلام هنا من صفات يتحدث عنها الآباء أو الأمهات عن أبنائهم وبناتهم أنها صفات حتمية في المراهقة لابد ان يتصف بها المراهق.
كلا فان كثيرا من تلك الصفات تبرز في المراهقة نتيجة طريقة المعاملة التي يتلقاها المراهق ليس من والديه فحسب بل من المحيطين به بشكل عام.
ان الأصل في المراهقة أن كون طبيعية تمر مرورا سلسا لو تعامل المجتمع معها بما يناسبها.
وان من الأمور التي جدت في حياتنا المعاصرة طول فترة الاعداد للحياة العملية, فالفتى أو الفتاة يمضي الواحد منهم ا أكثر من عشرين عاما من حياته قبل أن يبدأ في العمل ويعترف به كعضو كامل العضوية في المجتمع. هذا التأخير ترتب عليه تأخير في اشباع كثير من حاجات المراهق النفسية والفطرية, وألجأه الى تصرفات قد تكون غير مقبولة ليثبت لنفسه وللآخرين أنه رجل أو أنها امرأة, وكلما زاد التضييق على الشباب في اعطائهم ما تتطلبه مرحلتهم زادت تلك التصرفات كثرة وحدّة.
ان المتأمل في وضع المجتمعات بشكل عام ومجتمعنا السعودي بشكل خاص ليجد أن التعامل مع المراهقين لم تكن مشكلة تقلق بال الآباء والأمهات بشكل كبير في الماضي كما هو الحاصل في وقتنا الحاضر , وهذا لايعود لتغير المراهقة في ذاتها بقدر ما يعود لتغير نظرة المجتمع وتعاملهم مع المراهقين . لقد كان الفتى يعد رجلا منذ أن يبلغ السادسة عشرة أو السابعة عشرة فهو يبدأ بالعمل ويتزوج بل قد يصبح أبا عند هذه السن , والفتاة قبل ذلك بسنتين أو ثلاث بل ربما أكثر.
ومما لآشك فيه أنه ليس في مقدور الآباء في الوقت الحاضر أن يجعلوا أبنائهم يعملون ويتزوجون في السن التي تزوج فيها أجدادهم لأن الأمر يتعلق بالمجتمع بأسره.
ولكن يمكن للآباء أن يتعاملوامع ابنائهم بما يوافق هذه المرحلة بما هو في حدود امكاناتهم وهذا يتطلب في البداية أن يفهم الوالدان طبيعة هذه المرحلة من خلال الاطلاع والقراءة وسماع المحاضرات التي يتحدث فيها المختصون المشهود لهم بالعلم والاستقامة عن مرحلة المراهقة والشباب,وفي نفس الوقت يحاولون أن يسترجعوا بعض ذكرياتهم عندما كانوا في تلك المرحلة وماذا كانت مشاعرهم وتطلعاتهم وأن يحاولوا أن يضعوا أنفسهم موضع أبنائهم. كل ذلك دون افراط أو تفريط ومحكوما بضوابط الشرع.
أسأل الله الهداية والسداد للأباء والآبناء.
ا.د. عمر بن عبدالرحمن المفدى
أساذ علم نفس النمو , رئيس قسم علم ا لنفس
جامعة الملك سعود