::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - لمــــاذا تغــير الغـــرب؟!

http://www.arb-up.com/files/arb-up-Nov2/au993942.gif

كانت العلمانية والحرية والتقدم والإنسان أفكارًا مسيطرة علي منظومة الفكر الغربي في مطلع القرن العشرين، وكان الغرب فرِحاً بامتلاكه أسباب العلم والتقدم والقدرة علي السيطرة علي الطبيعة والبيئة من حوله، وكان الإيمان بالعلم وقدرته والقوانين التي يتم اكتشافها مثيراً للعقل الإنساني، لكن كل هذه الأشياء بدأ النظر إليها يتغير مع النتائج التي قادت إليها، فتكاليف التقدم والعلم والعلمانية بدت قاسية على الإنسان ذاته، وأخذ يبحث عن طريق جديد وعالم جديد وآمال جديدة.

وكانت ثورة الشباب في الستينيات داعية إلي مزيد من الحرية والليبرالية والمشاركة ودور أكبر للإنسان، لكن ذلك لم يحل المشكلة، وظهرت حركات اجتماعية تنقد الحداثة والتقدم والعلمانية والعقلانية وأشير هنا إلي التوجهات ذات الطابع اليساري الذي مثلته مدرسة "فرانكفورت" والتي قادها أمثال "هربرت ماركيوز" الذي كتب عن الإنسان ذي البعد الواحد، وإلي "يورجن هابرماس" الذي كتب عن الفعل التواصلي ونقد العقل الأداتي، ثم "آلان تورين" في كتابه "نقد الحداثة" وهو يتحدث بمرارة عن سقوط آمال الإنسان وسقوط النظريات الكبرى وعجزها عن الإجابة على أسئلة الإنسان المعاصر.

صحيح أن النموذج الغربي امتلك "النظام الصارم الذي يعتمد علي العقل" وهذا ما حقق له طفرة التقدم والسيطرة والضبط الخارجي الذي نراه ولكنه علي الجانب الآخر شيَّأ الإنسان وهو الذي أدى لاغترابه وخضوعه، وبالطبع هذه الحركات اليسارية ذات الطابع النقدي في الغرب كانت تستند إلي نفس المرجعية "العقل من منظور إنساني" أي تغليب ما يؤدي إلي تحرير الإنسان مما أسماه ماكس فيبر "القفص الحديدي"، ولكن قامت أيضاً حركات اجتماعية وتيار يستند في الغرب إلي الدين بعد "أفول العلمانية" كما يقول "رودني ستارك" أحد أهم علماء الاجتماع الديني في الغرب يقول: "لا بد من إعلان نهاية إيمان علم الاجتماع بنظرية العلمنة"، ويقول "جون فول" ابن الواعظ الأمريكي البروتستانتي: "إننا نشهد نهاية العلمانية".

وعودة الأصولية والحركات الأصولية إلي الغرب هي عودة قديمة تعود أيضاً إلي نهاية الستينيات، فقد هالني حجم ما تعبر عنه هذه الحركات في المجتمعات الغربية قاطبة عندما قرأت الكتاب المهم "ثأر الله.. الحركات الأصولية في الأديان الثلاثة" لجيل كيبل، فلم تكن الأصولية عندنا فحسب ولكنها كانت هناك أيضاً وبقوة، ولكنها كانت هناك موضعا للترحيب والاحترام والاستيعاب، ونحن نعلم أن ذلك تواكب مع التداخل العميق بين الظاهرة الدينية والسياسية، ومن ثم كان دور الفاتيكان الكبير في حركات الاحتجاج السياسي في بولندا ضد الشيوعية هناك وفي دول أوربا الشرقية التي انهارت، ثم صعود الأصولية المسيحية والترابط العميق بينها وبين السياسة، وظهور رؤساء لأمريكا يؤمنون بالأفكار التوراتية التي تتحدث عن نهاية العالم وهرمجدون منذ "ريجان" وحتى بلغت قمتها مع الرئيس الأمريكي الحالي "بوش".

وتسود في أوروبا حكومات محافظة تستند لمواقف أصولية من العالم الإسلامي، وتستحضر الروح الصليبية القديمة التي تقول إن هوية أوروبا مسيحية، ظهر هذا في حديث الرئيس الفرنسي السابق "ديستان" عن الدستور الأوربي والهوية التي يجب أن تكون مسيحية.. ومن هنا كان رفض دخول تركيا إلى النادي المسيحي الأوربي، ثم ظهرت نزعة "صدام الحضارات" التي خرج علينا بها "صموئيل هنتنجتون" و"نهاية التاريخ" الذي كتبها "فرانسيس فوكوياما"، وأن الإنسان الخاتم هو الإنسان الغربي وأن الليبرالية هي نهاية التطور الإنساني، وقامت نزعة إمبراطورية تعبر عن انفراد أمريكا بالعالم، وانتقلت المنظومة الفكرية التي كان الغرب يعامل بها العدو الأحمر الشيوعي إلي العدو البديل والجديد وهو الإسلام والعالم الإسلامي، وتجلي ذلك في السياسات الغربية تجاه عالمنا والتي نجدها تمرر دائما من منظور (إسرائيلي) توراتي ذات طابع ديني، على خلاف تلك السياسات في كل مناطق العالم الأخرى، وكما يقول البروفسور التركي "أحمد داوود أوغلو" في كتابه "العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية" فإن العالم يواجه اليوم احتمالات انتقال لمراكز القوي من أمريكا إلي مناطق أخري في العالم ومنها العالم الإسلامي ومن هنا فإن العنف الأمريكي تجاه العالم الإسلامي والتواطؤ الغربي معه راجع إلي أسباب استراتيجية متصلة باحتمال نهوض العالم الإسلامي وسيطرته علي مقدراته واستعادته لقراره وتحرره من هيمنة الغرب .

في مؤتمر "مواجهة الراديكالية" الذي حضرته في "دان هاج" – لاهاي قام متحدثون وطالبوا رئيس المؤتمر وهو من الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم أن يقول لزملائه في الحزب بانسحاب هولندا من العراق وأفغانستان ولكنه اعتذر عن عدم قدرته على القيام بذلك لأن التيار السائد في السياسة الغربية يركب موجة الحرب علي الإرهاب .

وقام آخر وتحدث عن تهديد التنوع في المجتمعات الغربية لأن الخصوصية التي يعبر عنها المسلم في الغرب ستجدها لدى طوائف أخرى مثل الكاثوليك مثلا وبعض الفئات المختلفة ومن ثم فلا يجب أن يثير الحجاب الذعر ولا اللحية ولا النقاب فكل ذلك تعبير عن اختيار خاص للحياة وفق رؤية ذاتية للدين وللذات في تفاعلها معه .

الغرب تغير لمشاكل هائلة متصلة بمنظوره الفلسفي ورؤيته للكون والعالم والإنسان والآخر، وهو يشعر أن المنظور الفلسفي الإسلامي يحمل في طياته الإجابة عن كثير من الأسئلة القلقة التي يحملها الإنسان الغربي ومن هنا كان الحديث عن أسلمة أوروبا والحدود الجديدة لدار الإسلام في الغرب .

تلك كانت إجابتي عن سؤال أحد القراء لي "لماذا تغير الغرب"، والله تعالي أعلي وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
المصدر: د. كمال حبيب (المصريون 6/11/2007)

منقوله