بسم الله الرحمن الرحيم
تتجه أنظار الملايين من المسلمين إلى تايلند حيث تقام مبارة المنتخب السعودي مع المنتخب التايلندي , وإنه من المناسب أن يتذكر المسلمون مملكة فطاني , تلك المملكة الإسلامية التي تخضع حاليا للإحتلال التايلندي , لنقرأ تاريخها , ونعيش واقعها .
هذه المملكة التي دخلها الإسلام في القرن الرابع الهجري عن طريق التجار المسلمون, الذين يحملون أخلاق الإسلام، وهم الدعوة إلى الله, فانتشر الإسلام فيها, حتى إنه اسلم سلطان مملكة فطاني وتسمى بالسلطان إسماعيل شاه , فدخل الناس في دين الله أفواجا و أصبحت مملكة فطاني في القرن الثامن الهجري مملكة إسلامية مستقلة ,وعلى مساحة شاسعة شملت حدودها المناطق التي تعرف حاليا بالولايات الجنوبية لتايلند وهي فطاني وناريتوات ويالا وسونكلا إضافة إلى الولايات الماليزية ترنجانو وقدح وكلنتان .
إلا أن الجيوش البرتغالية الصليبية المتحالفة مع القوات البوذية التايلندية اجتاحت مملكة فطاني سنة 917هـ , وارتكبت جرائم بحق المسلمين , ولكنهم ما لبثوا أن خرجوا يجرون أذيال الهزيمة , تحت وقع ضربات المجاهدين .
لكن الصليبية العالمية لم تكن لتهدأ ويرتاح لها بال طالما للإسلام دولة بتلك البقاع السحرية من العالم , فدخل الإنجليز حلبة الصراع ودعموا التايلانديين البوذيين للهجوم على فطاني وقمع الثورات وتهجير المسلمين من البلد حتى أعلنت تايلاند ضم فطاني رسمياً لها سنة 1902م بعد توقيع اتفاقية مع بريطانيا تقضي بإعطاء ماليزيا ثلاث ولايات من أراضي فطاني وضم الولايات الأربع الأخرى إلى تايلند.
لتبدأ رحلة الكفاح الهائلة , وليسجل التاريخ أروع وأقوى قصص الكفاح الإسلامي المغيب عن ذاكرة المسلمين . وكان ملوك فطاني هم قادة هذا الجهاد المسلح , إلا أن القمع الوحشي والتحالف البوذي الصليبي قضى على هذه الثورات , وكان آخرها ثورة الأمير عبد القادر، آخر ملوك فطاني المسلمين .
وفي العام 1933م وقع انقلاب عسكري ، وشارك المسلمون في إنجاحه أملا في تحسين أوضاعهم مع النظام الجديد , إلا أن الحكمَ العسكري الجديد في البلاد كان أقسى على المسلمين من سابقه الملكيِ ؛ ليس لأنه تجاهل مطالبهم؛ ولكنه سعى إلى مسخ هويتهم تماما، وإذابتهم داخل الدولة؛ إذ أصدر الفريق أول "سنقرام"- الذي تولى السلطة في تايلاند- قرارات بتغيير الأسماء المسلمة إلى تايلندية، ومنع لبس الجلباب الأبيض المميز للمسلمين ومنع الحجاب الإسلامي للنساء والفتيات , وحرم استعمال اللغة الملايوية ذات الحروف العربية، وأُغلقت أبواب المدارس والجامعات أمام الفطانيين، وحرموا من المناصب الحكومية والجيش والشرطة، وأُغلقت الجوامع والمساجد، ومنعت الدعوة للدين الإسلامي .
وقد توالت على الإقليم المسلم عدة ثورات ومحاولات من جانب المسلمين لإعادة المطالبة بحقوقهم، واجهتها السلطات هناك بالقمع والاعتقال لكل من قاد المطالبة بهذه الحقوق، منها حركة الحاج محمد سولونج- أحد العلماء المسلمين بفطاني- والذي عمل على تكثيف جهود المسلمين سنة 1367هـ، ورفع عريضة مطالب للحكومة البوذية بتايلاند يطالب بحقوقهم، وقام الحاج محمد برفع عريضة الدعوى في نفس السنة إلى الأمم المتحدة، ولأول مرة تُثار قضية فطاني في المحافل الدولية, وبسبب ذلك قبض على الحاج محمد سولونج ورفاقه وحكم عليهم بثلاث سنوات، ولكنهم ما لبثوا أن اغتيلوا سراً في 14ذي الحجة 1373هـ.
وسيظل التاريخ يذكر العام 1975م، باعتباره علامة سوداء في تاريخ حريات الإنسان وحقوقه، عندما استشهِد خمسة من الطلبة المسلمين برصاص الجنود التايلانديِين، عندما رفضوا أوامرهم بالسجود لتمثال كبير لبوذا في إحدى مناطق فطاني، وقتها تظاهر المسلمون لأكثر من أربعين يوما مطالبين بمحاكمة الجناة، وهو ما رفضته حكومة العسكر هناك، باعتبار أن ما جرى جزء من سياسة رسمية تهدف إلى زيادة معالم الهوية البوذية في الجنوب المسلم.
وفي السنوات الأخيرة استغلت حكومة تايلند ما يسمى بالحرب على الإرهاب , لتمارس أبشع الجرائم في حق المسلمين, وليقر مجلس الوزراء مرسوما يخول السلطات صلاحيات واسعة لقمع المسلمين ويمنح هذا المرسوم الحق لرئيس الوزراء الصلاحيات , لفرض الإقامة الجبرية ,والرقابة على الأخبار، ومنع الاجتماعات العامة، وتسجيل المكالمات الهاتفية، واعتقال المشتبه فيهم دون توجيه تهم لمدة تصل إلى (30) يوماً.
وقد تسبب تطبيق أحكام الطوارئ , في إثارة الذعر بين المسلمين , إذ وسعت قوات الشرطة حالات القتل المباشر دون دليل، ولمجرد الاشتباه، ففي عام 2004 م قمعت مظاهرة بالذخيرة الحية , فقتلت ستة مسلمين , وجرحت المئات , واعتقلت أكثر من 1300مسلم, وإمعانا في قمع المسلمين الذين يطالبون بحقوقهم الدينية قامت قوات الأمن بضرب هؤلاء المعتقلين وتكسير عظام بعضهم وحشرهم (1300 مسلم) في شاحنات ضيقة لنقلهم إلى ثكنات عسكرية في مدينة فطامي لاستجوابهم، فقتل داخل هذه الشاحنات حوالي 78 مسلما خنقا وكسرا،
وفي نفس العام حدثت مواجهة بين قوات الأمن التايلاندية ومسلحين مسلمين ينتمون إلى (حركة تحرير فطاني) قتل خلالها 108 من الشباب المسلم، وقامت السلطات التايلندية أيضا بهدم مسجد (كروي سي) على رؤوس المسلمين وهم بداخلة .
وفي عام 2005 تعهد تاكسين شيناواترا رئيس الحكومة التايلاندية بسحق مسلمي فطاني المطالبين بالاستقلال خلال أربع سنوات.
ومع هذا وذاك لن يهدأ مسلمو الإقليم على الرغم من القمع الدموي لهم ومحاولات تصفية قضيتهم تماما ، وسيستمرون في نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم, وينبغي لكل مسلم الوقوف معهم , ودعم قضيتهم , كل بقدر استطاعته , وفي حدود أمكانياته.
........................................
كتبه : عبدالرحمن المقيبلي