::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-06-2012, 04:02 AM   #4
 
إحصائية العضو







عبدالله السعدون غير متصل

عبدالله السعدون is on a distinguished road


افتراضي رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.



هذا النجاح الكبير والسريع لمدينة سوق الشيوخ أدى الى توافد التجار والحرفيون والسكان بشكل كثيف لها والتي مثلت في وقتها أول نموذج في المنطقة لتأسيس مدينة تجارية تحمل اسما يدل على الهدف من انشائها ، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عند حديثه عن فترة تأسيس المدينة , ص: 27 ((( توافد التجار والكسبه والحرفيون على المدينة بشكل كثيف. واتخذت كل فئة من هذه الفئات مساكن لها في جانب المدينة ، لا على اساس مهني (نقابي) ولكن على اساس قبلي ، فالذين هاجروا من الأحواز وماجاورها من جنوب العراق وبينهم رابطة عشائرية ، اتخذوا مساكنهم على الفرات من شرق المدينة (السوق) فعرفت بعدئذ محلتهم بأسم (محلة الحويزة) ، والذين جاءوا كتجار ومقاولين من بغداد وبلد والحلة والموصل وماجاورها ، اتخذوا لهم مساكن جوار محلة الحويزة (شمالها) فعرفت محلتهم بأسم ( محلة البغادة ) .. والذين جاءوا من نجد والحجاز واطراف الجزيرة العربية ، اتخذوا لهم مساكن غرب المدينة ، فعرفت محلتهم بأسم (محلة النجادة) والذين جاءوا من مدن او جهات أخرى متفرقة ، اتخذوا لهم مساكن مجاورة لمحلة النجادة (جنوبها ) سميت محلتهم بأسم (محلة الحضر) ، كانت هذه المحلات الأربعة قائمة على التل الذي عليه المدينة ، وثمة منخفض من الارض في غرب المدينة (التل) كان يسكنها خليط من الفقراء المهاجرين اليها و أغلبهم من الزنوج الأفارقة ، العبيد المعتقين ، الذين ليس لهم رأس مال سوى جهدهم العضلي ، يقومون بالعمال الخدمية لسكان المدينة كالحمالة والحراسة ، ورعاية الحيوانات – كساسة الخيل – والخدمة في البيوت والمحلات التجارية وغيرها . وقد شيدوا اكواخهم من الطين والقصب والحصران في ذلك المنخفض ، الذي سمي فيما بعد بـ ( محلة الاسماعيلية ) ومن جملة من هاجر الى المنطقة جماعة من الصابئة من اصحاب الصناعات والحرف – بحكم حاجة المجتمع الى نشاطها – كصياغة الحلي ، والحدادة ، جاء اغلب هؤلاء من مراكز التجمعات الدينية التاريخية لهذه الطائفة ، من محافظة ميسان ، واتخذوا لهم مساكن على الجانب الشرقي من المدينة على الفرات ، وعرفت محلتهم بأسم ( محلة الصابئة ) .))). وقد تم تشجيع قبائل مملكة المنتفق على زراعة المناطق القريبة للمدينة التي أصبحت تضخ الكثير من المحاصيل الزراعية الى أسواقها ، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 29 (((ولقد كانت الأراضي والبساتين المحيطة للمدينة , والأخرى المتاخمة لها , تضخ المحاصيل الزراعية الوفيرة لها , حيث يقوم التجار من اهالي المدينة أو الوافدون من تجار المدن الأخرى , بشراءها وخزنها وتصديرها الى البصرة – للتصدير الخارجي – او الى المدن العراقية الأخرى ))). ولم تقتصر سياسة دعم الزراعة على قبائل وعشائر المنتفق بل اتسعت لتشمل تشجيع عشائر وقبائل من الجزيرة العربية ومن أنحاء العراق الأخرى الى الهجرة الى مملكة المنتفق مقابل إعطائهم أراضي على ضفتي الفرات وذلك لكي يزرعونها ، وبذلك ازدهرت الزراعة والصادرات الزراعية للدولة وانتعش اقتصادها من الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية من هذه الأراضي. يذكر عبدالكريم محمد علي في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , وذلك عند حديثه عن التطورات السياسية والأجتماعية التي حدثت في عموم جنوب العراق ، في الفترة مابين البدء بسياسة الأمير محمد بن مانع لتشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق وحتى تأسيس سوق الشيوخ من قبل حفيده الأمير ثويني بن عبدالله واستمراره في سياسة تشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق , ص: 26 ((( حدوث هجرات متتالية , من القبائل العربية من نجد ومن عموم الجزيرة العربية الى هذه المنطقة الوافرة المياه , والترحيب بهم من قبل شيوخ المنتفك (آل سـعدون ) واحلالهم بما يليق بكرامة العربي , واقطاعهم الاراضي على ضفتي الفرات , للزراعة الموسمية والبستنه , ومن بينهم من كان يحسن زراعة النخيل , ممن جاء من جنوب الجزيرة العربية – من الأحساء والقطيف – وهكذا نشأت بساتين النخيل على الضفتين وازدهرت الزراعة ))).

ولم تقتصر هذه السياسة في التشجيع على الهجرة الى مملكة المنتفق على القبائل والعشائر البدوية أو التي تمارس الزراعة ( التي كانت تنضم الى اتحاد المنتفق القبلي) بل اتسعت لتشمل سكان المدن من الحاضرة (التي كانت تنضم الى مملكة المنتفق خارج اطار اتحاد المنتفق القبلي) وتتضح آثار هذه السياسة في عهد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( حفيد الأمير محمد بن مانع وابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا) والذي يعد أبرز من دعم هذه السياسة وشجع عليها ، حيث كان يتواجد معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد في المناطق التابعة لمملكة المنتفق في عهده ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير)، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). واستمر حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في دعم هذه السياسة للتشجيع على الهجرة حتى أنه في عام 1850م كان معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) من المهاجرين من القصيم أو نجد ، كما أن معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق منذ عام 1892م (مدينة الخميسية) كانوا من أهل نجد ، يذكر مدن مملكة المنتفق الرئيسية مبتدئا بمدينة سوق الشيوخ ثم الخميسية ثم المدن الأخرى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، قسم المنتفق، ص: 610 ((( وفي عام 1850م كان معظم سكانها يتألفون من مهاجرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية (قصمان ، ونجادة). أما الخميسية الواقعة جنوب سوق الشيوخ فقد نشأت في حوالي عام 1886م ويتألف معظم سكانها من النجديين أيضا))).

ان التطور في الفكر الاقتصادي والسياسي لحكام مملكة المنتفق لم يكن يقتصر على تأسيس هذه المدينة التجارية والإكتفاء بذلك ، بل أنهم استخدموا خط تجاري جديد للبضائع القادمة للمدينة بحريا وهذا الخط لايمر بميناء العراق الرئيسي مدينة البصرة (التي كانت تحت السيطرة العثمانية تجاريا) ، بحيث أصبحت البضائع القادمة من الهند الى سوق الشيوخ أو المصدره لها من سوق الشيوخ تمر من خلال ميناء مدينة الكويت ثم تنقل بريا مابين مدينة الكويت ومدينة سوق الشيوخ ، وهذه صورة توضح الخط التجاري الجديد:


يذكر أ.د. عماد محمد العتيقي، في ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009 ، عند حديثه عن وثيقة تاريخية ( تم كتابتها قبل عام 1820م ) تتعلق بالشركة التجارية التي كانت تملكها أسرة العتيقي الكريمة وفروع هذه الشركة في الهند والكويت وسوق الشيوخ ، مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت، مخطوط رقم خ 991(((وفي نص الرسالة ذكرٌ لنوعين من الأقمشة الأول "مرود جبر أسود". المرود: هو قماش يستخدم لصناعة العباءات وأغطية الرأس النسائية، وجبر تعني السميك. الثاني "مرود دوني". بمعنى أقل في السماكة. وعيّنت الرسالة وحدة البضاعة وهي "الربطة"، وتحتوي على كرتونة يلف عليها القماش عدة طبقات ويربط بعد استيفاء عدد من اللفات يعطي الربطة طولها الذي يمكن أن يقص منه لاحقا حسب الطلب. والعملة المستخدمة هي "الربية الهندية" وسعر الربطة المتفق عليه للبيع مائة ربية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت يدل على أن الربطة من الحجم الكبير ذي النوعية الجيدة. ويبدو واضحاً من التعليمات أن الإخوة "سيف وعبدالرحمن" شركاء في التجارة وأنهما من تجار الجملة. كما يتضح أن البضاعة موجهة إلى بلد (سوق الشيوخ) في جنوب العراق قرب الناصرية. وكان سوق الشيوخ مركزاً تجارياً هاماً بين تجار الكويت ونجد والعراق وقد استوطنه عدد غير قليل من الأسر النجدية والكويتية. توضح الوثيقة وكيل العتيقي التجاري في سوق الشيوخ، وهو عبدالعزيز بن منصور العتيقي وهو ابن أخي سيف وعبدالرحمن الذي كان على ما يبدو مستقرا في سوق الشيوخ فترة من الوقت. ويستفاد من الرسالة أن المرسل سيف كان وكيلاً لهم في الهند فاكتمل الحضور التجاري لهذا الفرع من الأسرة على طول الطريق التجاري ... الوثيقة شاهد نادر في وقته على التعاملات التجارية بين الهند والكويت وسوق الشيوخ عن طريق سفن النقل التجاري البحري، وقد سجل المرسل السفن الكويتية التي شحنت فيها البضائع. فالأولى (سفينة ابن عمران) وهي سفينة شراعية لم يحدد نوعها للنوخذة خليفة بن عمران، وهذا أول نص يرد فيه اسم هذا النوخذه فيما علمناه.والثانية هي بغلة للسيد محمد. والبغلة من أكبر السفن الشراعية التجارية التي استخدمها الكويتيون للنقل في أسفارهم البعيدة))). ويذكر أيضا أ.د. عماد محمد العتيقي ، عند حديثه عن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف بن أحمد بن محمد العتيقي ، مقالة عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية (((كان المترجم كما ذكر أعلاه يمتهن التجارة ويدير نشاط أسرته من الكويت. وكان أخوه سيف يدير فرع الشركة في الهند وابن أخيهما عبدالعزيز بن منصور يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ وهي مركز تجارة أهل الكويت ونجد في العراق))).

وللتعرف على الحالة العامة لمملكة المنتفق في تلك الفترة – عهد الأمير ثويني بن عبدالله - نذكر مقتطفات من رحلة الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون للعراق ومروره في أراضي مملكة المنتفق وعاصمتها مدينة سوق الشيوخ عام 1797م وذلك بعد 16 عام من تأسيس المدينة ، يذكر مدينة سوق الشيوخ الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م وذلك بعد مروره بها قادما من البصرة ومتجها لبغداد عن طريق الفرات، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797:

1- عند حديثه عن يوم الثلاثاء 27 حزيران وذلك بعد مغادرتهم للقرنة ودخولهم لنهر الفرات ، ص: 48 ((( ما ان انبلج صباح يوم الثلاثاء 27 حزيران حتى استأنفنا رحلتنا ساحبين زوارقنا على الضفة اليمنى من النهر. الريف هنا ذو منظر بهيج وذلك لوفرة بساتين النخيل وحقول القمح فيه وفي الساعة الثانية مررنا بخيام بعض العرب وقد أحاطت بها أعداد كبيرة من الماشية ، من أبقار ونعاج ومعز))).

2- عند حديثه عن يوم الأربعاء الموافق 28 حزيران ، ص: 50 ((( وقد اجتزنا عددا من القنوات في ضفة النهر كانت مياهها تغطي الأرياف المجاورة وتحول دون اقدام السكان على زراعتها بالقمح وماشاكله. ومررنا بعدد كبير من خيام الأعراب تحيط بها المواشي الوفيرة .. وعند حلول المساء بلغنا مدينة كبيرة جدا على الضفة اليمنى من النهر تدعى (سوق الشيوخ) وهنا اشتريت أنا والمستر ستنفس والرئيس ريد ناموسيات وجدناها ذات فائدة ملموسة لأنها أعانتنا على الظفر بقليل من النوم كنا في أمس الحاجة اليه))). يوضح النص حجم عاصمة مملكة المنتفق في تلك الفترة حيث أن الرحالة خرج من البصرة ذات الأكثر من 100 ألف نسمة ثم وصف مدينة سوق الشيوخ بالكبيرة جدا مما يدل على كبر حجمها .

3- عند حديثه عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 50 ((( ولذلك اضطر دليلنا أن يصرف الزورق وملاحيه ويستأجر آخر بدلا عنه وكان طبيعيا أن تنقل مهماتنا الى الزورق الجديد وأن يبنى فيه مكان للمطبخ وهيأ لنا دليلنا وجبة غداء على الطريقة العربية وكان هذا الغداء يتألف من عشرين سمكة مقلية بالسمن واثني عشر دجاجة مسلوقة وأقراص من خبز الشعير وكميات وفيرة من اللبن. وقد جلسنا على الأرض حسب عادة أهل الريف في حديقة تقع على ضفة النهر وتحت ظلال أشجار التمر والعنب. كان السمك والدجاج والخبز لذيذا جدا وممتازا ولكن اللبن كان رائبا غير مستساغ بالنسبة للأوربي ولم نستخدم السكاكين والشوكات كما هو الأمر في أوروبا وانما كنا نتناول الطعام بأصابعنا مثلما يفعل العرب ذلك))). يوضح النص الرخاء الأقتصادي في مملكة المنتفق في تلك الفترة وتوفر أنواع مختلفة من الطعام قد تعتبر من الكماليات في بلدان مجاوره.

عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 52 ((( وسوق الشيوخ مدينة واسعة ومأهولة جدا بالسكان وهي مقر (الشيخ ثويني) وهو من أمراء العرب الأقوياء الذي تخضع لحكمه الضفة اليمنى من نهر الفرات من الحلة حتى البصرة. ولقد ثار في احدى المرات علانية ضد الحكومة العثمانية واستولى على مدينة البصرة ذاتها))).

عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 53 ((( تجولت مع دليلنا في المدينة وذهبت الى السوق الذي يمتد طوله نحو ميل وهذا السوق يفتتح عند شروق الشمس ويظل مفتوحا حتى الساعة التاسعة صباحا ثم يغلق ليفتح ثانية في الساعه الثالثة بعد الظهر ويستمر حتى المغيب. وأخذني الدليل أيضا الى أحد المقاهي حيث تناولت القهوة على عادة سكان المنطقة. كما أجبرت على تدخين التبغ حيث قدموا لي غليونا طوله نحو يارد ونصف اليارد وقد جلست على حصير طاويا ساقي بشكل متقاطع مثل بقية الجماعة وكانوا يقدمون القهوة في أقداح زجاجية من صنع الصين لايزيد حجم الواحد منها عن حجم نصف قشرة بيضة ولم أعط حليبا ولا سكرا وبدونها كان اللبن غير مستساغ الى أن أعتدت عليه))).

4- عند حديثه عن يوم الجمعه الموافق 30 حزيران - حديثه عن مقابلته لوزير حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله .. حيث أن الأمير ثويني كان في الأحساء وقت الزيارة وسوف نذكر التفاصيل في أحداث سنة 1797م من هذا البحث ، ص: 54 ((( في هذا الصباح قام الشيخ الذي يتكلم عند غياب الشيخ ثويني بزيارة لنا وجلب معه ابنته التي كانت في حوالي الثانية عشرة من عمرها وكان كل شخص مجبرا على أن يقف عند حضوره ماعدانا نحن ودليلنا. وقد تهيأت لي هنا فرصة الاطلاع على الاحترام الذي يوليه العرب لرؤسائهم. كان أحد الأعراب يحمل رسالة الى الشيخ قدمها اليه بأن وضعها على ركبتيه ثم عاد فتسلمها بذات الوضع وبعد أن قرأ السكرتير تلك الرسالة وضع ختم الشيخ على ظهرها. ويضع الشيوخ والاناس المبرزون في أياديهم اليسرى حلقة من الفضة أو الذهب الخالصين فيها فص من حجر حفر عليه اسم الشيخ. وهم يغطسون هذه الحلقة في الحبر ثم يوقعون بها الرسائل وهذا يعوض عن توقيعاتهم. وبعض هذه الأحجار حمراء اللون وبعضها الآخر من العقيق الأبيض))). يوضح النص بعض مظاهر الحكم المدني في مملكة المنتفق في تلك الفترة وهي المظاهر اللي قام الكثير من المؤرخين الاتراك بتجاهلها عند حديثهم عن الدول العربية في تلك الفترات مما يوحي للقارىء بأن هذه الدول كانت فقط مجموعة من الخيام.

عند حديثه أيضا عن يوم الجمعة الموافق 30 حزيران ، ص: 54 ((( لقد انهمك دليلنا الآن في اصطحاب زورق آخر معه الى بغداد ويضم هذا الزورق عددا من بالات الأقمشة المستوردة من (البنغال) كما يضم امرأة أمريكية معها ولدها البالغ من العمر ستة عشر سنة وابنتاها احداهما في الرابعة عشر والثانية في الثالثة عشر من العمر. غادرنا سوق الشيوخ في الساعة الحادية عشرة وتركنا أحد الزوارق وراءنا فعبرنا النهر وشرعنا نسير بمحاذاة الضفة اليسرى حتى الساعه الثالثة حيث أعدنا عبور النهر وأسرعنا بزوارقنا نحو قرية تدعى (غمكريك) نصبنا خيامنا عندها ))).
يوضح النص تنوع زوار المدينة والبضائع القادمة لها من جميع أنحاء العالم ... بالإضافة لكثافة الحركة الملاحية التي تمر بها ، وهو دليل على الآمان والرخاء الإقتصادي . كما يوضح النص نقطة الجمارك الخاصة بمملكة المنتفق والذكاء في اختيار موقعها ، ويتضح ان سبب وضع نقطة الجمارك في تلك المنطقة لكي تكون البضائع القادمة من ميناء العراق (البصرة) التي تباع في المدينة أرخص لكونها بدون جمارك ، أما في حال تجاوز البضائع للمدينة لكي تباع في مناطق العراق العثمانية مثل بغداد فانها تصبح أغلى كون أسرة السعدون تأخذ عليها جمارك ، ولو كان موقعها قبل المدينة للبضائع القادمة من البصرة لدل على الرغبة فقط بالحصول على الجمارك أما كونه بعدها فهو يدل على الرغبة في ازدهار المدينة واعطائها أفضلية من قبل آل سعدون حكام مملكة المنتفق ، علما بأن أسرة السعدون أيضا كانت تملك نقطة جمارك على دجلة شمال القرنة وبذلك كانت تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ،عند حديثه عن اقتصاد مملكة المنتفق ,ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))). وقد كانت السيطرة على الحركة التجارية في نهر الفرات ونهر دجلة هي جزء من حالة عامة تتمثل بسيطرة أسرة آل سعدون الأشراف على مقدرات العراق تاريخيا وتسخيرها لهذا الجانب في النضال ضد محتلين العراق من فرس وعثمانيين ، وهو يوضح أحد أسباب قدرتهم على الصمود في وجه الدولة العثمانية وحملاتها عليهم لمدة تقارب الـ 400 سنة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين ... وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))).

ان ابرز الأحداث التي أثرت على مدينة سوق الشيوخ هو الطاعون الذي ضرب المنطقة ككل عام 1831م والذي قضى على الكثير من سكانها ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر ، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). ويكفي لتقييم آثار الطاعون على عدد سكانها أن ننظر الى مقارنة بين من زارها من الرحالة قبل الطاعون وبعده ، حيث زارها قبل الطاعون بعشر سنوات الرحالة الفارسي محمد آغا وذكر أن عدد بيوت المدينة والقرى المحيطة بها 20 ألف منزل وذكر أن معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق القبلي بينما ذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية وهو الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، في كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، وهو الذي زارها بعد 18 عام من الطاعون ، أن عدد بيوت المدينة نفسها في تلك الفترة كان 800 منزل (أي ان سكانها بحدود الأربعة آلاف نسمة بعد الطاعون). يذكر الرحالة الفارسي محمد آغا ، عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ قبل العام 1820م ، حيث مر بها ووصف من كان يقيم فيها وحولها وهم عشرون ألف بيت معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق ، يذكر السيد محمد آغا الفارسي ، كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، رحلته عام 1820م ، ص: 146 (((ومن السماوة الى سوق الشيوخ ثمانية عشر فرسخا وفي هذه البلدة عشائر المنتفق، يسكنون السوق وفي أنحائه، وعدتهم عشرون ألف بيت وهم في جانبي الفرات ، ومذهبهم مذهب أحمد بن حنبل ، وبعضهم شيعة ))).

ويذكر القنصل الروسي في البصرة أهمية سوق الشيوخ تجاريا وذلك عند مقارنته بين سوق الشيوخ في الماضي وبين سوق الشيوخ في أواخر القرن التاسع عشر أي بعد أكثر من مائة سنة من تأسيسها و بعد أن ضربها الطاعون وبعد ان ازدهرت مدينة الناصرية عاصمة مملكة المنتفق الجديدة التي أسسها الأمير ناصر السعدون عام 1869م ، حيث يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر , في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 55 ((( وماسوق الشيوخ حاليا الا شبيه تافه للسوق المزدهر السابق الذي كان البدوي يستطيع أن يجد فيه كل ماهو ضروري ابتداء من السلاح الأبيض والأسلحة النارية والبارود والسروج وانتهاء بالأرز والشعير والدخن والمصنوعات الأوربية والبن ومختلف الأواني البسيطة وماشابه ذلك من البضائع. وكانت التجارة هناك تجري عن طريق المقايضة أي ان البدو كانوا ، في مقابل البضائع التي يحتاجونها ، يقدمون الماشية والخيل والمنتجات الحيوانية كالصوف والجبن والجلود وماأشبه. وكان شراء المسروقات والأشياء التي تقع في أيدي البدو عند سلبهم للقوافل التجارية أوللمسافرين الانفراديين بشكل عام فرعا مزدهرا من فروع التجارة المحلية بحيث ان أي أوروبي يسلبه العرب في الصحراء كان يستطيع وبشكل مؤكد أن يعيد شراء أغلبية أشيائه التي فقدها في دكاكين سوق الشيوخ))).


10- توتر الأوضاع بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية – هجوم بني كعب:

بعد إسترداد مملكة المنتفق لمدينة البصرة (عام 1779م) وإعادة المدينة من قبل الأمير ثويني بن عبدالله للعثمانيين كدعم منه لسليمان باشا و بعد إبادة القوات الفارسية (في معركة الفضلية ومعركة أبي حلانة التي قتل بها قادة الجيش – أخوان حاكم الدولة الفارسية أبناء الأسرة الزندية ) ساد التوتر في العلاقة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية بسبب هذه الأحداث وبالتالي توترت العلاقة بين مملكة المنتفق (التي وقفت بالجانب العثماني) وبين دولة بني كعب التي وقفت بجانب الدولة الفارسية . وبعد أن أصبحت البصرة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، فقد رأى حاكم دولة بني كعب الأمير غضبان بن محمد الكعبي أن تزايد نفوذ مملكة المنتفق المجاورة له وخصوصا سيطرتها على ميناء البصرة يضر بمصالح دولته لذلك قرر القيام بتحرك عسكري ضد معسكر مملكة المنتفق القريب للبصرة والمكلف بحمايتها ، وفي عام 1784م شنت قوات كبيرة من بني كعب هجوما مفاجئا على معسكر للأمير صقر بن عبدالله (أخو الأمير ثويني) يقع قرب مدينة البصرة ومخصص لحمايتها وانتصرت عليه ، وقد كان هذا التحرك العسكري جزء من حالة عامة تعيشها المنطقة في تلك الفترة بين العثمانيين ومن يحالفهم وبين الفرس ومن يحالفهم .

وقد كان بنو كعب يتوقعون الرد من الأمير ثويني بن عبدالله ولكنهم كانوا يعلمون أنه على موعد لاجتماع مع المستر لاتوش (الوكيل البريطاني في مقيمية البصرة) ، لذلك لم يتوقعوا تحركه الا بعد الأجتماع بمدة ، ولكن خطة الأمير ثويني بن عبدالله العسكرية فاجأتهم .. حيث وضع معسكر يتكون من عدد قليل من المقاتلين ( 1200 مقاتل) في مكان الإجتماع وكأنهم قوات لحمايته فقط ، وبعد الإجتماع تحركت القوات وأجتازت النهر سباحة وتحركت بسرعة مسافة تقارب 100 كيلومتر خلال يوم ونصف وباغتت معسكر قوات بني كعب (التي هاجمت معسكر أخيه) وأبادته بشكل كامل وغنمت كل مافيه ورجعت ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، وصف لاتوش للغزوة , القسم التاريخي , ج4 , ص:1883 ((( وقد شهد لاتوش وهارفورد جونز من مقيمية البصرة حادثة غريبة من هذه الحملة , وكان الأول في طريقه لأوربا مرورا ببغداد وحلب , فرتب لقاء مع الشيخ ثويني الذي كان معسكره على الضفة اليمنى لشط العرب فوق البصرة . وعقب انتهاء الزيارة في الغروب مباشرة , أمر ثويني رجاله وكان عددهم يتراوح بين 1000 و 1200 رجل بعبور النهر الكبير سباحة الى الضفة الأخرى , وخلال الليل والصباح التالي كان رجال المنتفق قد سارو مسافة تتجاوز 65 ميلا في الأرض الى جانب عبورهم خليجين كبيرين , وفي التاسعة من مساء اليوم التالي استطاعوا أن يباغتوا العدو في معسكره ويبيدوا رجاله عن آخرهم , وكان بنو كعب على علم بموعد ثويني مع مستر لاتوش , وعلى هذا لم يكونوا يتوقعون أن يباغتوهم بهذه السرعة))).

هذه المعركة توضح جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله وشجاعته وإقدامه حيث انطلق مع رجاله (فيما يبدو من وصف لاتوش أنه انطلقوا هروله ) الى معسكر العدو والذي لو علم بتحركهم لقضى عليهم بسهولة كونهم وصلوا المعسكر بعد أن قطعوا مسافة طويلة في مدة قصيرة وبدون أسلحة ثقيلة ، وتمكنت قوات المنتفق من مباغتت المعسكر والإنتصار على كل من فيه وغنمت كل مافيه وعادت قوات المنتفق على خيول معسكر العدو بسرعة وبدون أي خسائر بشرية في جنوده ، وهي عملية نوعية جريئة وفريدة من نوعها خلف خطوط العدو جاءت كرد قوي وقاسي على هجوم بني كعب المباغت لمعسكر مملكة المنتفق قرب البصرة. يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث ) ، وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وانتصاره على بني كعب ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 213 ((( وكان أحد أجواد العرب مااناخ في بابه احد الا بلغ الارب ، وكان له في حكومته الأولى ايام ، شاهدة بانه الصارم الضرغام . ومن ايامه المحجلة بالصوارم ، ووقائعه المنورة باللهاذم ، اليوم المعروف بيوم دبى – الموضع القريب من البصرة كربى – وذلك ان كعبا غزو اخاه صقرا بجيش عرمرم فصبر لهم صبرا ، وقراهم بيضا وسمرا ، وكر عليهم بنفسه فكانوا كشياء ابصرت هزبرا ، فولوا الأدبار واغتربوا الفرار.... ومن ذلك اليوم لانت من كعب الشكائم ، ووهت منهم العرائك والعزائم ))). وللمؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) قصيدة في مدح الأمير ثويني بن عبد الله حاكم مملكة المنتفق بمناسبة انتصاره على قوات دولة بني كعب وعدد فيها أسماء أخوان الأمير ثويني وكناه بأبي فرحان ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 214 :

همو ألّبوا مستنصرين برجلهم
فكانوا بغاثاً خرَّ من فوقها صقرُ
لقوا فتيةً هزّوا القنا بأكفّهم
فكاد بذاك الهزّ يزهو ويخضرُّ
وهم أصلتوا البيض الرقاق كأنّها
بروقٌ لها تامور من حاربوا قطر
فأصبح (غضبان) الروافض كاسمه
ولا أسد لا بيضٌ لديه ولا سمر
وما لبني كعبٍ وحرب فوارسٍ
سيوفٌ إذا قدّوا.. ليوثٌ إذا كرّوا
إذا ما دعوا باعوا النفوس على الوغى
وجوههمُ بيضٌ، وبيضهمُ حمر
هم يشترون الحمد بالسُّمر والظبا
فلولاهمُ لم يغل حمدٌ ولا فخر
إذا مات منهم سيّدٌ قام سيّدٌ
وإن غاب بدرٌ شعّ من بعده بدر
فسل عنهمُ سود الوقائع إنّها
تخبّر أن القوم أفعالهم غرُّ
فلولاهمُ ما راق بدوٌ ولم يرق
وحقّ العلى لولا تصدّرهم صدر
ولولاهمُ لم تغش معمعةٌ ولا
تجشّم نار الحرب ليثٌ ولا مهر
بهم تضحك الدنيا حتى كأنّها
رياضٌ لها من بيض أفعالهم زهر
إذا افتخروا فالفخر منهم وفيهمُ
ولو أنهم ما شان أخلاقهم كبر
وحقّهمُ لولاهمُ ما تحمّلت
ليالٍ ولم يضحك لمكرمةٍ ثغر
ولم ير ناراً طارقٌ في دجنّةٍ
ولا أرقلت عيشٌ ولا أطرب القفر
(ثويني) (حبيبٌ) (ناصرٌ) و(مغامسٌ)
جميعهمُ أسدٌ، وصالحهم (صقر)
هم النفر الأخيار والسادة الألى
إذا سالموا سرّوا، وإن حاربوا ضرّوا
وإن فاخروا فاقوا، وإن سابقوا شأوا
وإن طاعنوا أردوا، وإن نسكوا برّوا
مصابيح إن يهدوا.. مساميح إن جدوا
جحاجيح إن ساموا. مصاليت إن جرّوا
وحسبهمُ فخراً بأنّ أباهم
إذا فاخروا من فاخروه هو (النضر)
بهاليل نالوا من نزارٍ وغالبٍ
شناخيب مجدٍ دونها النسر والغفر
صهاميم أسماهم (لؤيُّ وهاشمٌ)
علىً لو سماها البدر لم يخسف البدر
وناهيك منهم هامر الكفّ بارعٌ
صبورٌ نمته سادةٌ قدمٌ صبر
نماهم (شبيبٌ) للمعالي فأصبحوا
وهم في سماء المجد أنجمها الزهر
أبى الله أن يؤتى المعالي مثلهم
ويحسن إلا منهم النهي والأمر
وهل ك (أبي فرحان) يبرز عصره
فإن يك منّى مثله كذب العصر
عطاءٌ ولا منٌّ ونطقٌ ولا خنا
وحلمٌ ولا جهلٌ ونفعٌ ولا ضرُّ
نعم جهلت أسيافهم في عدوّهم
وأعداءهم ضروّا وأحلامهم سرّوا
لهم منهمُ فيهم تروق مدائحٌ
ويرجو الندى راجٍ ويجتمع الفخر

11- دخول ثويني لشرق الجزيرة العربية عسكريا عام 1785م – 1200هـ:


شهد العام 1785م إنشقاق في الأسرة الحاكمة في دولة بني خالد في الأحساء بين الأمير سعدون بن عريعر والأمراء عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر الذين فروا الى مملكة المنتفق وأستنجدوا بحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله والذي قدم بجيش كبير الى الأحساء وبعد قتال عدة أيام هزم الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد وأسقط حكمه وأستطاع الأمير ثويني بن عبدالله وضع حليفيه الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر على حكم الأحساء.

و يعود سبب الإنشقاق الى انه بعد وفاة حاكم دولة بني خالد الأمير عريعر ، اندلع صراع وتنافس على حكم دولة بني خالد بين أبنائه الأمراء بطين ودجين وسعدون ، وهو ماأدى الى قتل الأمير بطين حاكم دولة بني خالد على يد أخويه، ثم الإشتباه بقتل الأمير سعدون لأخوه الأمير دجين الذي تولى الحكم بعد الأمير بطين ، هذه الأسباب أدت لاحقا الى قيام الأمير دويحس بن عريعر بإنقلاب على أخيه الأمير سعدون ، الا ان الإنقلاب فشل واضطر الأمير دويحس وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى اللجوء لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإزاحت الأمير سعدون عن حكم دولة بني خالد ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 349 ((( وبعد وفاة عريعر سنة 1188هـ/1774م يعود التنافس من جديد على زعامة بني خالد بين أبنائه بطين ودجين وسعدون اذ لم تمض مدة على ولاية بطين حتى قتله شقيقاه خنقا. وذكر أنه تولى بعده أخوه دجين الذي توفي بعد شهر من توليه السلطة. وتشير أصابع الاتهام الى أخيه سعدون الذي استمر في الحكم حتى سنة 1200هـ/ 1786م عندما فقد الزعامة اثر صراع على السلطة وذلك حين قام دويحس بن عريعر بمساندة من بعض أخوته بانقلاب فاشل على أخيه سعدون مماضطره للجوء الى خاله عبدالمحسن بن سرداح من آل عبيدالله أحد فروع آل حميد، فيستغل بن سرداح ما حدث لتحقيق طموحاته الشخصية في نقل الزعامة الى بيت آل عبيدالله. فيستعد عبدالمحسن لمواجهة سعدون ولما لم يجد في أتباعه من بني خالد القدرة على مواجهة قوات سعدون لجأ الى ثويني بن عبدالله آل شبيب زعيم قبائل المنتفق القوي في جنوب العراق وذو الطموح الكبير للتوسع والاستقلال بالبصرة والمناطق المجاورة. وطلب منه الدعم والمساندة ضد سعدون، فاستجاب ثويني وتعهد بالتأييد التام))).




حاول حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أن يثني حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله عن دعم الأمراء دويحس بن عريعر وعبدالمحسن بن سرداح ، الا انه فشل في ذلك ، لذالك أمر الأمير سعدون بن عريعر فرسانه بشن الغارات على قبائل بادية مملكة المنتفق طوال الشتاء ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( حاول سعدون اقناع ثويني بالتراجع عن تأييد دويحس وخاله عبدالمحسن ولكنه فشل رغم تحذيره المتكرر من عاقبة ذلك التصرف، قرر سعدون المواجهة نتيجة لذلك وأمر خيالته بشن الهجمات على عربان المنتفق طوال فصل الشتاء))). ولما حل الربيع كان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله قد أجتمعت لديه قبائله البدوية للتنقل معه طوال فصل الربيع ( كما هي عادة حكام مملكة المنتفق آل سعدون تاريخيا ) ، وعندها بدأ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الزحف بقواته من البادية والحاضرة على أراضي دولة بني خالد ووقعت معركة فاصلة بين الطرفين انتهت بهزيمة كبيره للأمير سعدون بن عريعر وبوصول الأمراء دويحس بن عريعر وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى الحكم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( ولما حل الربيع التقى الفريقان في شمال أراضي بني خالد حيث جرت المصادمات والمناوشات بينهما حتى فصل الصيف وفي النهاية تدور بينهما معركة شرسة سميت ضجعة نسبة الى مكان وقوعها. وقد انتهت تلك المعركة بانهيار قوات سعدون وتكبدها هزيمة قاسية))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون وعلاقتهم بقبائلهم البدوية ، قسم المنتفق ، ج:3 ، ص: 625 ((( على الرغم من هذا الإرتباط الوثيق بالأرض كان شيوخ الشبيب – سعدون يشعرون بأنهم أمراء بدو. فكان شيخ المشايخ يتجول في مارس/ آذار أو قبل ذلك مع البدو لمدة ثلاثة أشهر في الصحراء ))). يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( وفي سنة 1200 دبت الفتن بين بني خالد في (الأحساء) واستحكت في قلوبهم الشحناء ، فأضاعوا صلة الأرحام ، وسفك بعضهم دماء بعض . فجرت وقعة ( جضعة ) وذلك أن المهاشير من بني خالد وآل صبيح اتفقوا مع عبدالمحسن ابن سرداح وثويني بن عبدالله رئيس المنتفق على محاربة سعدون بن عريعر رئيس بني خالد : فثارت الحرب بينهم أياما وقتل منهم قتلى كثيرون ، وانهزم سعدون ومن معهم . فترأس عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر على بني خالد والأحساء ))). ويذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج (المعاصر للملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة ) ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 204 ((( استعان به عبدالمحسن بن سرداح رئيس المهاشير من بني خالد على منافسه سعدون بن عريعر ، فجرت بينهم وقعة جضعة سنة 1200هـ في نقرة بني خالد ، انتصر فيها ثويني ، وفر سعدون الى خصومه آل سعود ))).

وبينما يرى عبدالكريم المنيف الوهبي أن الأمير ثويني قام بمساعدة الأمير دويحس وخاله الأمير سرداح لأنه يرغب في إضعاف حكم بني خالد وتعيين قيادة موالية له ، الا ان هذا الرأي غير صحيح لأنه يخالف ماذكره المؤرخ العثماني عثمان بن سند الوائلي ( المعاصر للأحداث) والذي أشار الى ان الأمير ثويني بن عبدالله بعد أن أسقط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ترك لزعماء بني خالد حرية أختيار حاكمهم وتم اتفاقهم على من يحكمهم بعد وصول الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ ، ويضاف الى ذلك أن الأمير ثامر بن سعدون (أخو ثويني من أمه وولد عمه) كان متزوج من آل عريعر ( وهو ماسوف يتم توضيحه في قسم لاحق من هذا البحث). وهذا يوضح أن تحرك الأمير ثويني بن عبدالله كان موجها ضد الأمير سعدون بن عريعر والذي طلب أخوته وكبار بني خالد من الأمير ثويني ان يسقط حكمه لسبب يتعلق ربما بقتل الأمير سعدون بن عريعر لأخويه سابقا. يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 394 ((( الذي كان من مصلحته انهاك القوة الخالدية بالصراعات الداخلية وتنصيب زعامة جديدة موالية له وبحاجة للدعم مما يمكن من السيطرة عليها))). ويذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري - المعاصر للأحداث - في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن عودة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ بعد المعركة واتفاق بني خالد على أن يكون الأمير دويحس بن عريعر هو الحاكم لدولة بني خالد , ص: 217 ((( ولما رجع ثويني الى داره وموطن حكومته ومطمع انظاره ، اجمع اكابر عشائر بني خالد على ان يؤمر فيهم داحس ابن عرعر اذ هو من باقي اخوته اكبر))).

12- أول معاهدة تاريخيه للدولة السعودية الأولى مع دولة خارج الجزيرة العربية – مع مملكة المنتفق:

وهنا تذكر مصادر الدولة السعودية الأولى وجود معاهدة بين الأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق وبين الإمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى في نجد وهي أول معاهدة تاريخية للدولة السعودية الأولى مع دولة أخرى خارج الجزيرة العربية (حسب علمنا).

بعد هزيمة قوات حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أمام قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وسقوط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ذهب الأمير سعدون بن عريعر ومعه خاصته الى نجد وأرسل للأمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى يطلب منه الأمان ودخول الدرعية (عاصمة الدولة السعودية الأولى ) ، الا أن الإمام عبدالعزيز رفض استقبالهم لوجود معاهده بينه وبين الأمير ثويني بن عبدالله وطلب منهم الإنتظار حتى يقف على حقيقة ماحصل ويراسل الأمير ثويني بن عبدالله ، ولكن الأمير سعدون بن عريعر تعجل ودخل الدرعية بدون آمان ، وقد استشار الإمام عبدالعزيز الشيخ محمد بن عبدالوهاب في قبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر خاصة وأن الإمام عبدالعزيز تضايق مما حصل ، وقد أشار عليه الشيخ بقبوله ، وعندما علم الأمير ثويني بن عبدالله بذلك غضب وأعتبر ذلك خرقا للمعاهدة التي بين الطرفين ، وقد أرسل اليه الأمام عبدالعزيز يوضح له اضطراره لقبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر وأنه لم ينقض العهد. يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( فهرب سعدون وجماعته و أقبلوا على (الدرعية) وأرسلوا الى عبدالعزيز يطلبون منه الأمان . فنهاهم عبدالعزيز عن دخول البلد حتى يقف من ثويني على حقيقة الأمر – وكانت بين المسلمين وثويني معاهدة ومصالحة. ولكن سعدون تعجل الأمر فدخل البلد ، وكان عبدالعزيز خارجا من قصره لصلاة الجمعة ، فتقابلا عند باب القصر . فرجع معه وأمر بانزاله و اكرامه ثم رجع للصلاة ، وقد امتلاء غما وهما لتعجل سعدون . فلما قضى صلاته ذهب الى الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وكاشفه بما في نفسه ، فجلا عنه الامام جميع الشبه وتلا عليه قوله تعالى : -(( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ))- . فاطمأنت نفس عبدالعزيز وسري عنه ماكان يحس به من الغم . فلما علم ثويني بذلك تعاظم وتجبر ، فأرسل اليه عبدالعزيز يلاطفه ويشرح له حقيقة ماجرى ، ويبين له أنه لم ينقض العهد ، وأنه اضطر الى قبول سعدون وجماعته . ولكن ذلك كله لم يجد شيئا مع ثويني وزاد في تعاظمه ، وجد في الاستعداد للحرب ))). ويذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الأمير سعدون بن عريعر ، ج:1 ، ص: 157 ((( فلما لم يجد له ملجأ هرب الى الدرعية . فلما قرب منها أرسل الى عبدالعزيز يطلب الأمان , فأبى عبدالعزيز ذلك لأن بينه وبين ثويني هدنة . فعزم سعدون ودخل الدرعية بلا أمان . فشاور عبدالعزيز الشيخ فقال : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم . فأكرمه عبدالعزيز غاية الاكرام , فلما بلغ ثويني ذلك , تعاظم الأمر, فاستعطفه عبدالعزيز فلم ينجح فيه ))).

13- دخول ثويني لنجد عسكريا عام 1786م – 1201هـ:


تسارعت الأحداث بشكل كبير حيث أن أمير القصيم التابع للدولة السعودية الأولى أغار على قافلة تجارية ضخمة خارجه من البصرة وسوق الشيوخ وقتل رجالها ونهبها عند وصولها الى منطقته (القصيم) وبذلك أشعل فتيل الحرب في المنطقة كلها . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 163 ((( وغزا حجيلان بن حمد أمير (القصيم) بأهل بلده وانضمت اليه جماعة من عنزة ، فذكر له أن ثمة قافلة عظيمة خارجة من (البصرة) و (سوق الشيوخ) فرصدهم في الطريق ، الى أن أقبلوا عليه بما معهم من الأموال والأحمال ، فهجم عليهم ، فتقاتلوا حينا ثم انكشفت القافلة وانهزم رجالها . وغنم حجيلان وجماعته ماكان معها من الأموال ، واستاقوا ابلها و أغنامها ، وقتلوا عددا من رجالها ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1200هـ ،عند حديثه عن القافلة التي هاجمها أمير القصيم، ، ج : 1 ، ص: 157 ((( وفيها غزا حجيلان بن حمد أمير القصيم الى ناحية جبل شمر فذكر له قافلة خارجة من البصرة وسوق الشيوخ فأسرع حتى وصل الى بقعا، فرصد لهم فيها ، فوافقها ومعها كثير من اللباس والقماش لأهل الجبل وغيرهم فأخذها وقتل من الحدرة قتلى كثيرة))). يذكر هاري سانت جون فيلبي ، في كتابه العربية السعودية، ص: 149 ((( قام (حجيلان) بالاستيلاء على قافلة كبيرة محملة بالأقمشة والبضائع كانت قادمه من العراق وفي طريقها الى (حائل)، وسارع بالعودة الى ديرته محملا بالغنائم قبل أن تنظم أية جهة حمله لمطاردته. لكن الانتقام كان قادما على الطريق، ففي تشرين الأول من العام التالي قاد زعيم المنتفق والمدعو (ثويني) قوة عسكرية قوية وسار بها باتجاه القصيم))).

كان نهب القافلة والإعتداء عليها وقتل رجالها من قبل أمير القصيم بمثابة إعلان حرب ، لذلك قام حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بجمع قوات ضخمه من القبائل والحواضر التابعه له ، حيث بلغ عدد الأبل التي حملت المدافع والبنادق في جيشه 700 بعير ، ولنا ان نتصور كم تكون حمولة الجيش كاملا اذا كان حمولة البنادق والمدافع والذخيره لوحدها 700 بعير ، وسار الأمير ثويني بن عبدالله بجيوشه هذه الى نجد متوجها الى أمير القصيم . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1201هـ ، ص: 164 ((( وفي أول هذه السنة ، سار ثويني بن عبدالله بجيوشه الكثيرة من (المنتفق) وأهل المجرة وجميع أهل (الزبير) وبوادي شمر وأغلب طيء وغيرهم ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، وتجهز بالمدافع والبنادق والقنابل التي تدك الحصون والأسوار))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1201هـ ، ج: 1 ، ص: 158 ((( وفي أول هذه السنة في المحرم ، سار ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب بالعساكر والجنود العظيمة من المنتفق وأهل المجرة وجميع أهل الزبير وعربان شمر وغالب طي وغيرهم ، ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، حتى أن أحمال زهبة البنادق والمدافع وآلاتها بلغت سبعماية حمل، فسار في أوطانه وقصد ناحية القصيم))). يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص: 552 ((( وفي سنة 1201: في المحرم سار ثويني بن عبدالله آل محمد آل شبيب على نجد بالعساكر والجنود ومعه من القوة والعدد والعدة مايفوت الحصر ، حتى ان حمول زهبة المدافع والبنادق سبعمائة حمل ، ومعه جميع المنتفق ، وأهل الشط ، والمجرة ، والنجادى ، وشمر ، وغالب طيء ، وغيرهم من الخلق ))).

ونتوقف هنا قليلا لنذكر تعريف بالحواضر والمناطق الحضرية التابعة لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله التي ذكرت بنصوص مؤرخين الدولة السعودية الأولى. حيث تنتشر قلاع مملكة المنتفق بشكل عام على هذه المناطق المذكورة وعلى غيرها من المناطق في مملكة المنتفق ، وتمتلك مملكة المنتفق عددا كبيرا من القلاع والتي تنتشر على ضفتي نهر الفرات من شمال مدينة السماوة وحتى القرنة (ملتقى دجلة والفرات) بطول أكثر من 300 كلم ثم على ضفتي شط العرب من القرنه وحتى الخليج العربي بطول أكثر من 200 كلم ، يذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، قلاع مملكة المنتفق على امتداد ضفتي الفرات من شمال السماوة وحتى القرنه وعلى امتداد ضفتي شط العرب من القرنه وحتى مصب شط العرب في الخليج ، وذلك عند حديثه عن مدن وقرى مملكة المنتفق وعن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها في تلك الفترة (فترة اشتراكه في لجنة الحدود) ، وخورشيد باشا اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ، ص: 53 (((أما قرية السماوة فيبلغ عدد بيوتها اقل من نصف بيوت سوق الشيوخ ولكنها تسمى بالقصبة أيضا فلم نصل إليها ولكن قيل لنا يوجد فيها بعض الأماكن الجميلة كما يملك شيخ المشايخ قرى أخرى مثل الشطرة وطالبة وغليظة، والتي يمكن ملاحظة أهميتها من عدد سكانها كما ذكرت في القائمة. يضاف إلى ذلك فهم يملكون اعداد كبيرة من القلاع المسماة بالكوت والممتدة من السماوة وحتى مقاطعة الدواسر الواقعة بالقرب من خليج البصرة والمنتشرة على جانبي الفرات وشط العرب))). ونبدأ أولا بمنطقة المجرة وهي المنطقة عالية الكثافة السكانية على نهر الفرات والتي تقع بين عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ وهور الحمار ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها ، ج:1 ، ص: 159 ((( المجرة: اسم عام يطلق على قبائل منطقة سوق الشيوخ التي تسكن على الضفة اليمنى من الفرات بين سوق الشيوخ وبحيرة الحمار))). ثانيا منطقة شط العرب الممتدة على جانبي شط العرب بطول 218 كلم ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 72 ((( يبدا (شط العرب) في (قصبة القرنه) الواقعه على مسافة (75 ) كيلومترا من البصرة شمالا ، وينتهي الى الخليج العربي جنوبي (قرية الفاو) فيبلغ طوله (218) كيلومترا ، ويتراوح عرضه من 400 مترالى 1200متر ))). وقد كانت الفاو عند نهاية شط العرب من ملحقات أرض كبيرة اسمها المعامر ، والمعامر مقاطعة زراعية شمالي الفاو كانت تسمى الدكاك، وعمرها الأمير راشد بن ثامر السعدون، وأطلق عليها هذا الاسم، وقد أُرخ تعميرها بعبارة (تعامير راشد)، سنة 1226هـ، وكانت الفاو من ملحقات المعامر إلى أن أهداها الامير راشد السعدون إلى شيخ الكويت الشيخ جابر الصباح. يذكر مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد ، في كتابه تاريخ الكويت ، وذلك عند حديثه عن العرض الذي عرضه الأمير راشد بن ثامر السعدون على الشيخ جابر شيخ الكويت كمكافأة له، وذلك لكرمهم مع الأمير راشد بن ثامر السعدون، ص: 120 (((فعرض عليه بعد أن رجع إلى مقره (المعامر) بأسرها أو (ثلاثة حواز من الفاو) مكافأة له على افضاله فاختار الثلاثة الاحواز وضرب باختيار ابنائه (المعامر) الحائط وانما اختار مااختار على قلته وترك ماهو أكثر منه واعمر لان للفاو مستقبلا لايتسنى للمعامر نظرا لكون الفاو على شاطيء البحر والجهات التي تكون كذلك يطرد اتساع اراضها وزيادتها لتقدم الشاطيء في البحر بسبب مايرميه النهر هناك من الطين وغيره. ويقال في سبب المكافأة ان راشدا نزل خارج الكويت في أحد اسفاره ولم يكن جابر فيها فقامت اخته (مريم) مقامه في اكرام الزائر وتقديم الضيافة اللازمة له، فأكبر راشد نباهة تلك المرأة وكرمها الحاتمي الذي أخجلته به فرأى من الواجب عليه أمام ذلك الاكرام ان يقوم بأمر يقابل ذلك الفضل والعطف ففعل مافعل))). وتقع بين منطقة المجرة ومنطقة شط العرب منطقة الجزائر وبحيرة هور الحمار (أكبر بحيرة في العراق) ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 9 ((( بحيرة الحمار التي تبلغ مساحتها (2500) كيلومتر مربع ، وتقع جنوبي العراق بين البصرة والناصرية ))) ، ويذكر هذه الثلاث مناطق الواقعة في مملكة المنتفق (المجرة والجزائر وشط العرب) المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق , ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). وهذه صورة توضح هذه المناطق:


أخيرا النجادى ، وهو مصطلح كان يطلق على أهل نجد من الحاضرة الساكنين في العراق ، حيث كان معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد يتواجدون في المناطق التابعة لمملكة المنتفق ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير) ، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). ويضاف لهذه المناطق التابعة لمملكة المنتفق أيضا: منطقة الجزيرة السفلية (مابين دجلة والفرات) والتي يمر بها نهر الغراف ، ومنطقة نهر دجلة من القرنه والى شمال العمارة ، ومنطقة البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وشمال نجد وحتى شمال السماوة.

نعود للأحداث ومسار جيش حاكم مملكة المنتفق ، حيث حاصر جيش الأمير ثويني بن عبدالله بلدة التنومة أول بلدة تابعه لأمير القصيم وصلها الجيش في طريقه الى بريدة وتم دكها بالمدافع وأقتحمها الجيش ، وقتل من رجالها في أثناء اقتحامها 170 رجلا وتم بعد ذلك طرد سكانها بشكل كامل. ويذكر ابن بشر مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن الجنود دخلوا البلدة بخدعة الآمان بينما يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري بأن الجنود اقتحموها بعد ان استطاعوا تسلق أسوارها. ثم أتجه جيش الأمير ثويني بن عبدالله لمدينة بريده وحاصرها وضربها بالمدافع محاولا إقتحامها وفي هذه الأثناء قدم من العراق الشيخ سليمان الشاوي (شيخ قبيلة العبيد قرب بغداد) هاربا من العثمانيين (الذين كانوا يطاردونه) وطالبا اللجوء من الأمير ثويني بن عبدالله الذي وعده بالحماية الكاملة من العثمانيين، يذكر الحملة العثمانية التي طاردت شيخ قبيلة العبيد سليمان الشاوي وانسحاب هذا الشيخ والتجاؤه الى حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله - الذي كان وقتها محاصرا لمدينة بريدة ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 186 ((( بينا آنفا ان الحملة التي تشكلت بقيادة احمد كيهة، كانت قد واصلت سيرها حتى بلغت المكان الذي تحصن فيه الحاج سليمان وهو المسمى ابيرة، ووقع بينهما صدام خفيف فر على أثره الحاج ومن معه نحو المنتفك والتجأ الى شيخ ثويني، وعلى العادة العربية قبله هذا وتعهد بمساعدته والدفاع عنه، وتكاتبوا مع شيخ الخزاعل حمد الحمود يسألونه ان ينضم اليهم فوافق على ذلك))). وقد أدرك الأمير ثويني بن عبدالله أن الوقت قد حان لطرد العثمانيين من العراق بشكل كامل ، وأن يوحد العراق كله تحت حكمه ، لذلك أمر الأمير ثويني بن عبدالله الجيش بالعودة للعراق ، وطلب من الشيخ سليمان الشاوي مراسلة الشيخ حمد الحمود (شيخ قبائل الخزاعل) للإنضمام اليهم فيما كانوا يخططون له ، وقد وافق على ذلك الشيخ حمد الحمود . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس ، ص 119 ((( ثم أن الحاج سليمان الشاوي ذهب الى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب الى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق . ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته ))).

يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن تحرك جيش الأمير ثويني بن عبدالله من التنومة الى بريدة ثم وصول الأخبار بالاضطراب الذي حدث في العراق عند محاولة العثمانيين الفتك بشيخ قبيلة العبيد ومن ثم مطاردته ، ج:1 ، ص: 159 ((( ثم ارتحل منها بجنوده، وقصد بلد بريدة ونزلها وحصل بينه وبين أهلها بعض القتال، فبينما هو محاصرها بجنوده أتاه الخبر بأنه وقع في أوطانه اختلاف وخلل، فارتحل منها راجعا))). ويذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 164 ((( واتجه منها الى بلدة (بريدة) وناوش أهلها الحرب ، وهم بأن ينزل بأهلها بطشه لولا ماأتاه من أن اضطرابا قد حدث في بلاده بعد خروجه منها ، فاضطر الى أن يرجع اليها ويفك حصاره عن بريدة))). ويذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ص: 405 (((وكاد أن يخضع بتلك الجموع سائر أنحاء نجد لتوفر قوته ولكن بينما هو يحتل الأراضي النجدية، وإذا بمخبر يخبره بحدوث خلل في العراق))).

وبينما كان جيش الأمير ثويني بن عبدالله يتحرك عائدا للعراق ، هاجمه مجموعة صغيرة من سكان بريدة الا انهم قتلوا اثناء محاولته العودة الى داخل أسوار البلدة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ، ص: 165 ((( فلما عزم على الرجوع خرج من أهل (بريدة) نحو سبعة رجال أرادوا أن ينتقموا من مؤخرة الجيش فيقتلوا من يستطيعو قتله ، فانثنى عليهم بعض فرسان الجيش ولحقوهم قبل أن يدخلوا في أسوار البلدة وقتلوهم))). ويلخص المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم الأحداث منذ حدوث الإنشقاق بالأسرة الحاكمة في دولة بني خالد وحتى عودة الأمير ثويني بن عبدالله للعراق بعد رفعه الحصار عن مدينة بريدة ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 200 (((بعد وقت قصير حدث نزاع جديد في عائله الأمراء. فقد فر عبدالمحسن بن سرداح إلى شيخ المنتفق ثويني ، لأنه شعر بأن سعدون يهدده. وعندما دخل ثويني إلى شرقي الجزيرة العربية ومعه عبدالمحسن انتقل اليه فرعان من قبائل بني خالد, هما المهاشير و الصبيح . ففر سعدون إلى الدرعيه. في بادئ الأمر تردد عبد العزيز آل سعود لأنه لم يكن يريد حدوث قطيعه بينه وبين ثويني ، ولكنه قرر في النهايه تحت إلحاح محمد بن عبد الوهاب قبول اللاجى سعدون (1785م). وبالفعل فقد أعلن ثويني إنهاء صداقته مع الوهابيين. وفي خريف 1786م دخل إلى القصيم على رأس جيش قوي ، ولكنه تخلى عن حصاره لبريده لأن هدفا أكبر كان يلوح له في بلده ))) . والهدف الأكبر هنا هو مايدور حوله هذا البحث.

في هذه الأثناء كان الأمير عبدالمحسن السرداح قد بلغه أن ثويني قد قام بحملة على القصيم لذلك تحرك الأمير عبدالمحسن السرداح بجنود دولة بني خالد عبر الدهناء لمساندة حليفه الأمير ثويني بن عبدالله والذي ساعده هو والأمير دويحس بن عريعر على الوصول لحكم دولة بني خالد في السنة السابقه ، ولكنه عندما قطع الدهناء بلغه رجوع الأمير ثويني بن عبدالله للعراق لذلك رجع بجنوده للأحساء ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي عام 1844م، كتاب تاريخ ابن لعبون ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية , ص: 197 ((( وكان عبدالمحسن بن سرداح قد سار ببني خالد يريد مساعدة ثويني على أهل نجد ، فلما وصل ومعه جميع بني خالد وأهل الأحساء ، وقطع الدهناء ، بلغه رجوع ثويني فرجع))). وبعد رجوع قوات الأمير ثويني بن عبدالله الى العراق قام أمير بلدة عنيزه بهدم الجناح بسبب مكاتبة أهل الجناح للأمير ثويني بن عبدالله قبل تحركه الى القصيم ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى (مؤرخ الدول السعودية الثلاثة) ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1201هـ ، ص: 83 ((( وفي هذه السنة هدم الجناح المعروف في عنيزة , هدمه عبدالله بن رشيد أمير بلد عنيزة تجملا مع ابن سعود بسبب مكاتبة أهل الجناح لثويني))). ويشير المستشرق والرحالة الإنجليزي تشارلز م . دوتي ، الى أن الجناح كانت في تلك الفترة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في كتابه ترحال في صحراء الجزيرة العربية ، الجزء الثاني – المجلد الثاني ، ص: 42 ((( كانت جناح , مع بداية القوة الوهابية , محكومة بواسطة ثويني Thueyny المنتفق el- Muntefik وهو كبير شيوخ بلاد النهر بالشمال , ولكن عنيزة كانت متحالفة مع الوهابي . وجرى هزيمة سكان جناح من بني خالد في الاضطرابات التي تلت ذلك , الأمر الذي اضطرهم للتخلي عن المكان ))). ويصف الرحالة هنا حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بأنه كبير شيوخ قبائل العراق.




14- ثويني يطرد الأتراك من البصرة تمهيدا لإعلان إستقلال العراق:

وصل جيش الأمير ثويني بن عبدالله الى العراق وتوقف الجيش قرب بلدة الزبير التابعة للأمير ثويني بن عبدالله وخرج متسلم مدينة البصرة للقائه وتهنئته بسلامة الوصول والإستفسار عن سبب قدوم الجيش لقرب البصرة ، فأمر الأمير ثويني بن عبدالله بإعتقاله وأخبره بأنه جرى عزله هو وكل الموظفين العثمانيين الأتراك ، ثم أرسل قسما من خيالة المنتفق لإحتلال المدينة وتشتيت الحامية العثمانية في المدينة وفي المباني الحكومية تمهيدا لدخول الأمير ثويني بن عبدالله للمدينة وإستلام حكمها . وبعد ذلك دخل الأمير ثويني بن عبدالله المدينة يرافقه خمسة آلاف من جنوده ، وقام بإستبدال كل الموظفين الأتراك بموظفين عرب تمهيد لطرد الأتراك من العراق وشمل الإستبدال حتى البحارة الأتراك حيث قام بتسليم السفن لعرب من قبله. تبع ذلك قيام الأمير ثويني بن عبدالله بترحيل كل الموظفين الأتراك للهند عبر البحر ونفيه لمتسلم البصرة ابراهيم أفندي الى مسقط. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 244 ((( وارسل ثويني في اليوم التالي قسما من خيالة المنتفك , فدخلت البصرة واستولت على السراي ثم فرقت الحامية وشتت شملها . ومع ذلك كله بقي البلد سالما من الاضطراب الى ان دخل ثويني مع خمسة آلاف من رجاله في اليوم الثالث. فعادت حكومة البصرة عربية قبيلية))). يذكر ج.ج. لوريمير , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1884 ((( وفي 6 مايو دخل الشيخ ثويني المدينة بنفسه وسط 5000 عربي من أنصاره وتولى حكم البصرة مستوليا في الوقت نفسه على الاسطول الأيراني. ولم تحدث أية حوادث عنف ، واحترمت الملكية الاحترام الكامل ، لكن المسئولين المدنيين عزلوا من مناصبهم وعين آخرون بدلهم ، كذلك تولى بعض العرب قيادة سفن الأسطول ، ونفي المتسلم ، وكبار أنصاره ، أو لعلهم اختاروا المنفى بارادتهم ، فنقلوا بحرا الى الهند ))). يذكر د. عماد عبدالسلام رؤوف ، في كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، وهو الكتاب المتضمن لعدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص: 102 ((( وتكشف الأحداث التالية عن أن نفي ابراهيم أفندي الى مسقط لم يكن وليد اختيار طارئ ، وانما كان ثمرة تنسيق بين آل السعدون أمراء اتحاد قبائل المنتفق والزعماء البوسعيديين في عمان ، وهو تنسيق استمر بين الزعامتين أربعة عقود تالية من السنين في أقل تقدير))).

ونستعرض هنا إنجازات الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة ، فقد كان أول ما بدأ به الأمير ثويني بن عبدالله هو إنذاره لجنوده بالقتل اذ ماأعتدوا على أحد من السكان أو على ماله ، واتصل بالشركات والتجار الأجانب في مدينة البصرة ، وهو ماساهم بإزدهار التجارة التي كانت كاسدة قبل احتلاله لها ، ويعود سبب ازدهار التجارة في البصرة الى خبرة الأمير ثويني السابقة عندما انشأ مدينة سوق الشيوخ كمركز تجاري في المنطقة وبسبب تخلصه من فساد الولاة والموظفين الأتراك في مدينة البصرة ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 (((فلما دخلها بجيشه اصدر امرا شديدا لرجاله انذرهم فيه بالقتل اذا ماتعرضوا لاحد من السكان او اموالهم ))) ويكمل أيضا عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 40 ((( اتصل بالتجار العالميين كما اتصل بالحكومات والشركات لتزدهر التجارة وذلك لأن تجارة البصرة بعد ايام من احتلاله لها زادت اضعافا مع انها كانت قبل الاحتلال كاسدة ))).

ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بتأسيس مجلس استشاري يساعد على الحكم يكون فيه كبار وجهاء العراق وعلى رأسهم شيخ قبائل الخزاعل وشيخ قبيلة العبيد الذين ساندوه فيما يعتزم القيام به، وهي حالة متقدمه سياسيا تبين تميز هذا الحدث في تاريخ العراق وتدل على أن الأمير ثويني بن عبدالله كان يعي جيدا ماهو مقبل عليه ويعرف اختلاف مكونات سكان العراق ، لذلك أنشأ هذا المجلس هو وحلفائه ليكون خير داعم للمرحلة المقبلة التي ينوي البدء بها، وهي من الأمور التي تحسب لحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة التاريخية ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:120 ((( وكان قبلا الشيخ ثويني وحمد الحمود شيخ الخزاعل وسليمان الشاوي قد أقاموا في البصرة مجلسا استشاريا يساعد على الحكم))). بعد ذلك قام الأمير ثويني بن عبدالله بتعيين الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي قاضيا للبصرة ، وهو ابن عالم الأحساء الكبير الشيخ محمد بن فيروز التميمي ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ( المعاصر للأحداث ) ، عند حديثه عن الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 96 ((( ورحل الى البصرة وحصل له فيها اتم الشهره وولاه ثويني بن عبدالله زمام احكامها وعرى حلها وابرامها حين تولى عليها ونزع سوار ملك حاكمها من يديها))). و يذكر الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام ، ترجمة للشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز ، في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ، ج : 5 ، ص: 60 ((( الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ابن عبدالله بن فيروز بن محمد بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب الوهيبي التميمي النجدي ثم الأحسائي بلدا ))). ويمكن الأطلاع على معلومات أكثر عنه في نفس الكتاب في الصفحات مابين ( 60 – 65 ) .

ومن أبرز الأمور التي قام بها حاكم مملكة المنتفق أيضا هو محافظته على الأمن والنظام في مدينة البصرة حيث فتحت المحلات التجارية بعد نصف ساعه من دخوله للمدينة عسكريا وهو مايعني تأييد سكانها لتحركه العسكري واحترامهم لما يعتزم تنفيذه ، وقام بشق الطرق وتخصيص حرس في خارج المدينة لحماية التجارة والقوافل وشكل قوات بحرية لحماية شط العرب وذلك للمحافظة على الإستقرار أثناء عملية انتقال السلطة والتصدي لكل محاولة لزعزعة الإستقرار من قبل العثمانيين أو الفرس، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 ((( والحقيقة أن ثويني قام بعمل عجيب في احتلاله للبصرة حتى تذكر التواريخ بأن الحياة التجارية عادت الى المدينة وفتحت الحوانيت والمحلات التجارية بعد ساعة من احتلال المدينة وكان روح النظام العسكري العربي قد تجسم في ارواح الجند الفاتحين حتى انهم قاموا بشق الطرق وتوسيع الشوارع وخصص حرس في خارج المدينة لتامين التجارة والقوافل كما خصصت قوات في سفن تجوب مياه شط العرب وفم الخليج لتأمين التجارة البحرية ))). لقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بحفظ الآمان في المدينة بكل حزم ، وأعدم المحتكرين للسلع بالمدينة ، وأمر رجاله بشراء المواد الغذائية من خارج المدينة وعرضها بقيمة رخيصة للسكان لمكافحة الجوع الذي تفشى بالمدينة قبل احتلاله لها ، ونتيجة لذلك عم الآمان بالمدينة وارتفعت أجرة العامل اليومي الى الضعف وأزدهرت تجارة المدينة بعد أن كانت كاسده قبل دخوله لها. يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , عند حديثه عن القحط ومرض خصباك , ص : 118 ((( وكانت أهم منجزات ثويني هي حفظ الأمن فقد نصب المشانق للسراق وقطاعي الطرق حتى يقال انه نصب في محلة المشراق خمس مشانق وفي محلة السبخة ثلاث وفي باب القبلة اثنتين وفي محلة السيمر ثلاث مشانق . ثم أرسل الموظفين الى القرى ليشتروا الحبوب والفواكه والسمن لعرضها في الاسواق بقيمة رخيصة كما وانه قبض على رجال البحرية التركية الذين كانوا يساعدون على القرصنة في شط العرب ليقاسموهم الاموال .. ثم حبس بعض هؤلاء الاتراك كما جلد آخرين منهم امام الناس حيث كان يجري الجلد أمام دار الوالي وبحضور أهل المدينة جميعا ... كما صاح المنادي بالسكك والشوارع ان لايغلق أحد بيته ليلا وان من يقبض عليه بعد الساعة التاسعة ليلا يعدم وان السارق يقطع بالسيف ويرمى لحمه للكلاب فكان ان استتب الأمن والاطمئنان فارتفعت اجرة العامل اليومية من قرش الى قرشين وزادت حاصلات البصرة من الحبوب بمقدار مائة طغار على السنين السابقة. ثم وقف رجاله على حدود منطقة البصرة ليأخذوا رسوم الكمارك عن البضائع الداخلة وشدد على رسوم التبغ والمواد غير الضرورية بينما خفض رسوم المواد الضرورية. وأحصيت السفن الشراعية الداخلة للبصرة في كل يوم فبلغت 100 سفينة و 60 بلم نصاري و 80 مهيلة تعمل على استيراد وتصدير الحبوب والسلع للبصرة ))).

وقد واجهت الأمير ثويني بن عبدالله مشكلتين في داخل مدينة البصرة وهما : الجوع الذي أصاب المدينة قبل دخوله لها بفتره ومرض خصباك الذي كان قد بدأ التفشي فيها ، وقد تعامل الأمير ثويني بن عبدالله مع ذلك بأن نظم التموين وقضى على الإحتكار للمواد الغذائية بالمدينة وأعدم المحتكرين (كما ذكرنا سابقا) ، ثم ضرب حصار صحي على المرض ووضع المصابين في مخيمات خاصة وتواصل مع الممثل الفرنسي في المدينة طالبا منه قيام البعثه الصحية الفرنسية بمعالجة المصابين . يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , عند حديثه عن القحط ومرض خصباك , ص : 78 ((( وكان الشيخ ثويني قد احتل البصرة وعمل على القضاء على هذا الجوع ... فقد نظم التموين وقضى على الاحتكار فكان كل محتكر يشنق حتى شنق من المحتكرين ثلاثين شخصا ثم أصبحت المدينة في أمان من شرهم . وكذلك ضرب حصارا حكوميا على محلات المرض ثم عزل المرضى في مخيمات خاصة وتفاوض مع الممثل السياسي الفرنسي فقدمت بعثة صحية فرنسية عملت على اسعاف الاهلين وكان هو قبل ذلك قد حسن العلاقات التجارية مع الدول الأجنبية فتخلصت البلدة من شر الجوع ))) .

يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، في هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثهم عن الأمير ثويني بن عبدالله وعن عدل حكومته التي أقامها في البصرة، ص: 82 ((( ويعد من اقوى أمراء هذه القبائل واكثرهم كفاءة، وتجلت كفاءته الإدارية حين انتزع البصرة من حكم العثمانيين سنة 1202هـ / 1787 ليقيم فيها حكومة عربية وصفها المعاصرون بالعدل))). وننقل هنا وصف هذه الفترة لأجنبي معاصر لها ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المستر توماس هاويل ( Thomas Howell) المعاصر للأحداث عند مروره بالبصرة وحديثه عنها وتعجبه مما قام به الأمير ثويني بن عبدالله والإنضباط لجنود حاكم مملكة المنتفق ، ص: 214 ((( وكان الشيخ ثويني – الشيخ العربي القدير – قد استولى عليها في سنة 1787 بتدابيره الصائبة ففاجأ حاميتها واحتل المدينة من دون مقاومة . والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بانتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فان لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري ... اما الشيخ فهو كهل شجاع باسل ذو اقدام على العمل , قل من يفوقه أحد . وهو عزيز على مواطنيه لحسن تدبيره في الأمور وتوقد ذهنيته , وجنوحه الى جانب الحق , ولاعتداله الذي يتمشى عليه في شؤون امارته , وقد جعلته هذه الصفات محترما عند الناس كافة ))). ويوضح هذا النص عدة أمور :

1- منها تعجب توماس هاويل بين الصورة النمطية التي لديه عن العرب (التي يلعب الاتراك دورا كبيرا في رسمها عند الأجانب حتى يضعفون من شأن العرب) وبين ماحصل فعلا واعتبره توماس شي تغبطه الشعوب الممعنة بالمدنية وقارنه بالصورة النمطية لديه عن العرب ، وهو ماعبر عنه توماس بقوله ((( والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه . أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بانتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فان لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري))).

2- وضح النص صفات حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وكيف أنه تتوفر فيه كل الصفات الإيجابية للقيام بالدور الذي سعى اليه وهو حكم العراق بأكمله. يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ووصف الرحالة البريطانيون أمير المنتفق وحاكم البصرة العراقي العربي ثويني بن عبد الله بأنه رجل في منتصف العمر ، شجاع وكريم ، وسريع التفهّم ، معتدل في أحكامه وإدارته للمناطق الخاضعة له . ولا شكّ بأن تلك الصفات المتأتية من أجنبي لا مصلحة له في إضفائها تعكس قدرة القيادات القبلية السياسية آنذاك في إدارة شؤون الإمارات المحلّية . كما أن تلك الصفات على العموم مما يفتقر له الحكام المماليك الأجانب))) .

15- أول إعلان لإستقلال العراق في العهد العثماني :



بعد خضوع البصرة للأمير ثويني بن عبدالله وترتيبه لأوضاعها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأمنيا ، وبعد أن انشأ المجلس الإستشاري للحكم ، بدأ الأمير ثويني بن عبدالله بصناعة التاريخ بأول إعلان لإستقلال العراق بأكمله في الحقبة العثمانية، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , ص: 281 ((( فوصل البصرة , فأخذه الغرور وحدثته نفسه أن يملك العراق أجمع , فحاصر البصرة حتى ملكها))). وقد كان العمل العسكري هو المرحلة الأولى في مخطط الأمير ثويني بن عبدالله تلاه المرحلة الثانية حيث لم يغفل الأمير ثويني بن عبدالله الجانب السياسي وبدأ بإستخدام السياسه لتحقيق هدفه بأقل الخسائر حيث أرسل عرض سياسي للخليفة العثماني (حمله قاضي البصرة) ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 245((( وبينما كان الشيخ معدا سيفه للكفاح كان قلمه مشغولا أيضا))). ويتضمن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي حفظ كرامة الدولة العثمانية بالإضافة الى وصول الأمير ثويني بن عبدالله الى هدفه بطرد العثمانين من العراق ، وهذا العرض يشمل قبوله بتبعية العراق الجديد الأسمية للدولة العثمانية مقابل أعترافها بحكمه للعراق رسميا وبدون تواجد عثماني فيه أو الحرب في سبيل طردهم منه ، هذا العرض السياسي المصحوب بتحرك سياسي وعسكري كبير وضع الدولة العثمانية أمام خيارين :

1- إما الأعتراف به كحاكم على العراق بأكمله ويكون العراق تابعا اسميا لهم وبذلك ينهي الأمير ثويني بن عبدالله حكم المماليك (لولاية بغداد وشمال العراق بالاضافة لمدينة البصرة) ويستبدله بحكومة عربية خالصه تتبع له ولأسرته (ال سعدون) وتضم باقي مناطق العراق التابعه لهم أصلا (وكان الأمير ثويني قد أوصل للدولة العثمانية رساله بأن تواجد رجالها في العراق أصبح أمرا غير مقبولا منذ هذه اللحظة وذلك عندما قام بترحيل الموظفين الأتراك لخارج العراق) .

2- أو الحرب والتي تعني خسارة العثمانيين لها إستقلال العراق تحت حكم الأمير ثويني بن عبدالله وطرد العثمانيين منه ( وقد جهز الأمير ثويني بن عبدالله جيشه خارج البصرة - بعد إرساله العرض السياسي للخليفة - وذلك لكونه يتوقع رفض العرض السياسي من قبل الخليفة ، وكان عدد جيش مملكة المنتفق المعد لملاقاة الدولة العثمانية يبلغ عشرين ألف مقاتل ومجهز بالمدافع وينقسم الى قسمين عشرة آلاف من الخيالة وعشرة آلاف من المشاة ، بينما تم ابقاء جيش أخر لمملكة المنتفق (بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله) في مدينة البصرة ولم تذكر المراجع التاريخية عدده ، وقد أستعد حلفاؤه الخزاعل عسكريا في مناطقهم للإصطدام العسكري مع العثمانيين في حال رفضهم للعرض السياسي ).

يذكر ج.ج. لوريمير ، عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي في خطابه للخليفة العثماني , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1885 ((( ووعد بأن يكون خاضعا للسلطان بشرط تعيينه باشا على بغداد والبصرة معا ))). وقد كانت أول أعمال المجلس الاستشاري وأعضاؤه من وجهاء وشيوخ العراق في البصرة هو المصادقة على العرض السياسي المرسل للخليفة والذي حمله قاضي البصرة ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المؤرخ العثماني المعاصر للأحداث الشيخ عثمان بن سند البصري ( من كتاب مختصر مطالع السعود) حديثه عن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الموجه للخليفة والموقع من قبل وجهاء العراق بالبصرة ومشايخ القبائل ، ص: 216 ((( ونظموا (مضبطة) أصولية يطلبون فيها تأييد تعيين ثويني واليا للعراق بأجمعه وذكروا فيها ( أنه لايصلح لولاية العراق عموما ، ولوزارة بغداد ، وتأمين الطرق ، الا ثويني العبدالله ، فانه هو الأسد الذي يحميها من العجم ...) وقد بعث بها ثويني الى المراجع المختصة في الباب العالي ، بعد أن أشفعها بمقدمة قوية متواضعة في الوقت نفسه ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الذي حمله قاضي البصرة ، ج:1 ، ص: 159((( فلما أستقر فيها أرسل الى روساء أهل البصرة وأعيانهم ووعدهم ومناهم وقال لهم : أكتبوا الى السلطان واطلبوني أميرا عليكم وأكون باشا في بغداد . وتكون البصرة من تحت يدي، فكتبوا الى السلطان وأرسلوها مع مفتي البصرة))).

يناقش العرض السياسي لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله والموجه للخليفة العثماني أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817((( ومن المناسب التوقف قليلا أمام العرض السياسي الذي أطلقه الأمير ثويني بن عبد الله ؛ حيث أكد على ما يأتي :
1ـ عدّ نفسه حاكما على البصرة وبغداد ؛ وذلك يعني رغبته في توحيد أكبر قسم من العراق العثماني .
2ـ اشترط إتباع السلطان العثماني في حالة موافقته على حكم ثويني بن عبد الله ، ومن الضمني إن عدم موافقة السلطان على ذلك يجعل من ثويني في حلّ من هذه التابعية ؛ وهو أفضل ما يمكن من تعبير في الرغبة في الاستقلال عن الدولة العثمانية .
3ـ أعلن ثويني بن عبد الله حاكميته على بغداد والبصرة في آن ؛ وذلك يعني إلغاء صريحا للحكم المملوكي في العراق ، وقيام حكم عربي في جنوبه ووسطه .
4ـ عدّ ثويني التحالفات القبلية في وسط العراق كالخزاعل والعبيد وغيرها من التحالفات الأخرى امتدادا لسلطته مما أخرج العملية على العموم من إطارها القبلي إلى حالة أكثر شمولية تعدّ الجذور الأساسية في قيام حكم ( وطني ) بعد ذلك ))).

يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، عند حديثه عن المخلفات الثمينة لفترة حكم آل سعدون وعن أول من سعى لإستقلال وحكم العراق بأكمله وهو الأمير الشريف ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق ، ص: 31 ((( ايجاد الفكرة العربية وبعث القضية من مرقدها ومحاولة استرجاع الدولة العربية التي كانت معرسه في هذا القطر ، فان اول من استفز للقضية بعد ان دثرت ومزقتها اعمال المغول والتاتار والاتراك والفرس هم آل سعدون ، فأول ساع للبعث و أول دماغ حمل الفكرة الصالحة هو دماغ الشيخ ثويني العبدالله ، فسعى لعقد حلف عربي يتكون من اضلاع ثلاثة عقيل وخزاعة والمنتفق ، تكون غايته طرد الأتراك من العراق و تأسيس دولة عربية ))).

16- موقف الدولة الفارسية وبريطانيا العظمى من إعلان ثويني لإستقلال العراق:

لم يكن موقف الدولة الفارسية غريبا تجاه إعلان إستقلال العراق من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، بل يعتبر امتداد لما كانت تقوم به تجاه العراق تاريخيا، حيث قامت بالهجوم بحريا على شط العرب التابع للأمير ثويني بن عبدالله وحاولت تهديد مدينة البصرة بقوتها البحرية لإحباط إعلان إستقلال العراق ، الا ان قوات مملكة المنتفق المتواجدة حولها اجبرتهم على عدم الدخول بريا للعراق خصوصا وان ذكريات معارك أبي حلانة والفضلية قبل 9 سنوات مازالت ماثله للعيان والتي قادهما حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وتسببت في خسارة الدولة الفارسية لـ 24 ألف مقاتل بالأضافة الى مقتل أخوان حاكم الدولة الفارسية في المعركة الثانية. يناقش موقف الدولة الفارسية من إعلان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإستقلال العراق ودخوله للبصرة عسكريا ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، وذلك عند حديثه عن استقرار الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة (((وبعد استقراره عمل على تغيير موظفي المدينة الأتراك الحكوميين السابقين وعيّن بدلا عنهم موظفين عراقيين محلّيين من قبله. وتظهر تلك العملية مدى الرغبة القوية لدى الحاكم العراقي الجديد في الانفصال عن الحكومة التركية المركزية .اهتبل الفرس فرصة التغيير الإداري المحلّي في جنوب العراق للقيام بأعمال عدوانية ضدّ البصرة من جديد ، بعد أن ظنوا بان السلطة الجديدة أضعف عن مواجهة جيشهم الكبير . وهي حالة طالما دأب الفرس عليها كلما اهتزت السلطة في العراق أو ضعفت السيطرة عليه حيث يكونوا من المتربّصين دائما. وقام الأسطول الفارسي ( معظمه من البحارة العرب) في المنطقة بمهاجمة شط العرب تمهيدا لتهديد المدينة ومينائها . لكن الفرس لم يستطيعوا دخول المدينة بسبب تخوفهم من وجود قوة عراقية قوية من فرسان المنتفق. كما أن قوات الانتفاضة القبلية المحلّية بدأت بالتوافد إلى المدينة على نحو مستمر لتعزيز سلطة الشيخ ثويني بن عبد الله الجديدة))) .

أما بريطانيا العظمى فقد تجنب حاكم مملكة المنتفق المساس بمصالحهم داخل مدينة البصرة لضمان عدم تدخلهم في شؤون تحركه العسكري والسياسي لإستقلال العراق الا انهم كانوا يرون في استقلال العراق تحديا لمصالحهم في البصرة والخليج العربي وذلك لكون السلطة الجديدة لن تكون ملتزمة بأي سلطة أعلى منها ، وهذا الخوف عبر عنه صموئيل مانيستي (samuel manesty) 1786 ـ 1795 في مذكرته التي رفعها إلى حكومة الهند " بان الموقف في البصرة لا يدعو على الاطمئنان على الإطلاق ". ويبدو انه بالاضافة الى هذه الأسباب أيضا أن هنالك سبب أخر يعود الى الفترة التي حكم فيها الأمير مغامس بن مانع البصرة مابين عام 1704م – 1708م والتي أخرجه العثمانيين منها بعد مواجهته للدولة لعثمانية بأكبر جيش واجهها في العراق والجزيرة العربية وقوامه 100 ألف مقاتل (والأمير مغامس بن مانع عم مباشر للأمير عبدالله بن محمد - والد الأمير ثويني) ، حيث قام الأمير مغامس في بداية حكمه للبصرة كعاصمة لمملكة المنتفق بـإلغاء الإمتيازات التجارية لبريطانيا العظمى في البصرة (والمعطاه لهم من قبل العثمانيين ) ثم قام بتوقيع اتفاقية تجارية مع الهولنديين أدت لطرد البضائع الإنجليزية من البصرة ، وهو ماجعل البريطانيين يخشون تكرار ماحدث سابقا كونهم حلفاء للعثمانيين. يناقش موقف بريطانيا العظمى من إعلان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإستقلال العراق ودخوله للبصرة عسكريا ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، وذلك عند حديثه عن استقرار الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة (((ومن المناسب أن نذكر أن القوات المنتفقية التي دخلت البصرة بعد تحريرها من الأتراك لم تقم بأية أعمال نهب آو سلب كما هو عليه الحال في تلك الحقبة من تاريخ العراق في العهد العثماني ، فاحترمت الملكية العامة والخاصة في المدينة ، وأمّن الناس على حياتهم . كما إن المصالح البريطانية لم تمس من الثوار القبليين . ويعود تفسير ذلك إلى أن حاكم المدينة الجديد هو من السكان المحلّيين وله العديد من الروابط القبلية والأسرية مع السكان كما أن لثويني بن عبد الله بعد نظر في ضرورة قيام علاقات طيبة مع بريطانيا لضمان عدم تدخلها في شؤون الانتفاضة . لكن تلك الأوضاع لم ترق للمقيمية البريطانية في البصرة التي اتخذت موقفا مناوئا للتغيرات الحاصلة في البصرة ، وما يمكن أن يؤثر على علاقتها بالباب العالي حيث ستكون السلطة الجديدة غير ملتزمة بأية سلطة أعلى منها ، فضلا من تخوفها من تقويض نفوذها التقليدي في منطقة الخليج العربي عموما. واحتمالات توسّع الانتفاضة لتشمل مناطق أخرى في خليج البصرة مما يهدد تجارتها ، ويعطّل الطريق الموصل بين الخليج العربي والبحر المتوسط. وكان الشيخ حمد الحمود زعيم حلف الخزاعل قد انضمّ إلى حركة الانتفاضة ، وعمل على التحكّم بطريق التجارة المارّ في اراضي إمارته عبر الفرات ملغيا الصراعات القبلية القديمة المستحكمة بين المنتفق والخزاعل . وفي الوقت نفسه فإن الشيخ الحاج سليمان الشاوي زعيم العبيد أعلن انضمامه إلى الانتفاضة المحلية المسلّحة ، وقام بتحريض السكان المحلّيين للوثوب على بغداد ، وإسقاط الحكم المملوكي فيها. رأى البريطانيون وحكومة الهند على وجه التحديد في الانتفاضة تهديدا جديا لمصالحهم التجارية والسياسية . ووجدوا في سلسلة التحالفات القبلية عاملا يصعب التعامل معه . وعبّر عن ذلك الموقف بوضوح تام المقيم البريطاني في البصرة صموئيل مانيستي samuel manesty1786 ـ 1795 في مذكرته التي رفعها إلى حكومة الهند " بان الموقف في البصرة لا يدعو على الاطمئنان على الإطلاق "))).

17- رد فعل الخليفة العثماني:

توجه مفتي البصرة حاملا الخطاب السياسي لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله والموقع من ثويني ووجهاء العراق وشيوخ القبائل ، وبعد عرضه للخطاب على الخليفة العثماني استشار الخليفة مستشاريه الأتراك والذين ردوا بإزدراء بأنه اعرابي متغلب وان الموافقة على عرضه السياسي تعتبر اهانة للدولة العثمانية وخطرا عليها، بالإضافة الى اتهامهم للأمير ثويني بأنه عاث بالبصرة فسادا وهو عكس ماحصل ولكن تتضح هنا العنصرية ضد العرب ، لذلك أراد الخليفة أن يفتك بالمفتي الا ان من حول الخليفة قاموا بتهريبه بالليل حتى لايقتل وذلك احتراما لكونه شيخ وعالم دين. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 61 ((( فلما وصل المفتي وعرض ذلك الكتاب على انظار السلطان دعى السطان اليه كافة وزرائه واستشارهم في الامر واشاروا عليه بعدم الاخذ بماجاء في ذلك الكتاب وافهموه بأن ثويني رجل اعرابي قد تغلب على البصرة واغتصبها من يد الدولة العثمانية وعاث فيها فسادا فسمع السلطان لرأيهم وعزم على قتل المفتي ففر المفتي من اسطنبول ليلا))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن رد فعل الخليفة العثماني من عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الذي حمله قاضي البصرة وذلك بعد استشارة الخليفة لوزرائه ، ج:1 ، ص: 159((( فلما وصل المفتي الى اسطنبول وعرض على السلطان ماجاء به، أطلع وزراه على ذلك فأخبروه أن هذا أعرابي متغلب، فغضب وأراد أن يفتك بالمفتي فهرب من اسطنبول بالليل))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 406 ((( فلما وصل (الآستانه) عرضها على أعتاب السلطنة فغضبت غضبا شديدا وكادت أن تأمر بصلب المفتي لولا تدارك بعض العلماء ذلك اكراما للعلم))).

وعلى الطرف الأخر كان سليمان باشا (والي بغداد) يبعث رسل متتابعه للخليفة العثماني يخوفه فيها ويحذره من ان قبول العرض السياسي للأمير ثويني بن عبدالله سوف يؤدي الى استقلال العراق بأكمله عن العثمانيين ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 142((( لقد رأى سليمان باشا ، ومماليكه ، آثار خطورة اتساع واستمرار هذه الثورة لأنه قدر – وكان تقديره سليما – انه لو تمكنت هذه الثورة من النجاح ، فمعنى ذلك ليس ضياع حكم المماليك لوحده ، انما هو استقلال العراق عن الحكم العثماني بالكامل ، وعليه فقد كانت أوامره لمماليكه ولجيشه بضرورة الاستعداد والتأهب لحسم هذه الثورة عن طريق القوة العسكرية ، في حين كانت رسائله لاستنبول توضح مدى خطورة هذه الثورة على الدولة والآثار المترتبة في حالة نجاحها))). وقد كان سليمان باشا والي بغداد يترقب بخوف رد فعل الخليفة العثماني على عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي والتي كانت الموافقه عليه تعني نهاية حكمه وحكم المماليك كحكومة ممثلة للعثمانيين لذلك ما ان وصله الرد العثماني حتى تنفس الصعداء وبدأ التحضير للمعركة الفاصلة بين العرب والعثمانيين في العراق ، يذكر رد الخليفة العثماني ج.ج. لوريمر , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1885 ((( وفي أوائل أكتوبر .. ارسل الباب العالي يقول , أنه انما يكون مسرورا لو أرسل رأس ذلك المتمرد الى القسطنطينية , وبعدها خرج سليمان باشا من بغداد))). تلا ذلك دعم والي بغداد بالقوات والمعدات العسكرية الكثيرة لإدراك العثمانيين أن ماكان ينتظرهم هو معركة فاصلة لعموم وجودهم بالعراق ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 143((( وطلب من استنبول ارسال الكثير من العتاد الذي يحتاجه ، لأنه رأى أن ماينتظره ليس معركة عادية ضد متمردين ، بقدر ما رآها معركة مصير له ولعموم الوجود المملوكي والعثماني في العراق))).

و يتفق المؤرخون الذين عللوا سبب رفض الخليفة العثماني للعرض السياسي للأمير ثويني بن عبدالله وتفضيله لخيار الحرب لكون الأمير ثويني بن عبدالله عربي والدولة العثمانية كان يخيفها تحرك العرب سياسيا وعسكريا بالاضافة الى عنصريتها تجاه العرب . يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا , ص: 216 ((( كما يعلم أن بدعة القيام بحركة عربية موحدة في تلك الأيام كانت شيئا يهدد كيان المماليك بأسره ، ويقوض الوجود التركي في هذه الديار برمته عند الحاجة))). ويعلل المؤرخ خالد الفرج سبب رفض الدولة العثمانية للعرض السياسي من الأمير ثويني بن عبدالله بسبب كون الأمير ثويني عربي ، حيث يذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، وعند حديثه عن بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، في كتابه الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه حتى انهم كسروا جيوش العجم الدين استولوا على البصرة في وقعتي الفضلية وأبي حلانة شر كسرة ، وأوقفوهم عن التوغل في العراق ، وبلغ بثويني نفسه أن استولى على البصرة سنة 1201 ، وخطب ولاية بغداد من الآستانة بطلب من أهالي العراق وسفارة مفتي البصرة ، ولولا أنه عربي لصدر له الفرمان الشاهاني ، لأن الفرمانات كانت تصدر بأقل من ذلك من الوسائل ))).




 

 

 

 

    

رد مع اقتباس