بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن تقتحم مظاهر المدينة الزائفة لمخابر المدينة الفاضلة، كانت الأمور تسير بحسب ما ورد في النصوص، ولم تبد الأخيرة حينذاك هياما ببهرج أو نكوص ، وكان المجتمع متماسكا " كالبنيان المرصوص ". فالجار كان له القيمة العظمى وأسبقية الاهتمام ، والقريب يسعى لملاقاة ذوي القربى ونشر الوئام ، والكريم يدني منه الفقراء والأيتام . ذلك لأن حقوق الانسان في ذلك الزمان ، لها الأولوية بالاحسان . فكان الناس فيما مضى ، يجتمعون بالعشرات في صبيحة يوم عيد على قصعة ثريد ، لتبادل التحايا لعام جديد ، أو تراهم تحلقوا على وليمة للاحتفاء بقدوم مولود أو حفيد ، وكان أول من يدعى لها الجار والفقير ، واليتيم وعابر السبيل . لم يكن الظلم في ذلك الزمن شيمة بين الرجال ، ولم تهضم فيه حقوق ذوات الحجال ، ولم تكن الرشاوى تسبق مد اليد بالفنجال .
أما اليوم فقد ضعفت بعض النفوس ، بحسب قلة أو كثرة الفلوس . فذاك الجار لايعرف هوية جاره ، ولا ماهية أحواله وأسراره ، وذاك لايتعاهد بالزيارة قريبه لأنه فقير، وسجاد مجلسه غير وثير ، وذاك يدعو لوليمته الأغنياء والأمراء ، لينال بها فخر المديح والثناء ، وآخر يصرف جل اهتمامه بالحيوان ، أكثر من اهتمامه بفلذات الاكباد من الصبايا والغلمان .. كم نشفق عليك يا أفلاطون ! لقد طارت نواميس مدينتك الفاضلة ، وهاهي تذروها رياح التغيير ، ولا تغيير سوى في بهرج الشاة والبعير ، والتنافس على تسميد الأعلاف وحصاد الشعير .
عبدالرحمن الجبابرة
الرياض
الخميس الموافق 3/3/1433 هـ 26/1/2012 م