بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
تمثل الدراسات التاريخية , مرحلة مهمة في حياة الشعوب والقبائل , فعن طريقها نستخلص الفوائد والعبر, وهذا الموضوع هو عبارة عن قراءة للوثائق البريطانية في الفترة من ( 1912م إلى 1928 م ) .
كانت بريطانيا تمثل الدولة العظمى في ذلك الوقت , فهي المسيطرة على دول العالم ,وهي " الامبروطورية التي لا تغيب عنها الشمس " بسبب سيطرتها واحتلالها معظم دول العالم , فهي تمتلك الجيوش العظيمة والأسلحة المتطورة .
لقد كان الانجليز يسعون للسيطرة على دول العالم . سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق الوصاية , وكان لهم تواجد كبير في الخليج العربي . وحتى يحققون أهدافهم ويطمئنون على تواجدهم ووصايتهم , فقد حرصوا على التخطيط بعيد المدى , حيث كانوا يبعثون خبراؤهم من أجهزة الاستخبارات , لدول العالم لرصد مشاهداتهم الدقيقة , وانطباعاتهم التفصيلية , ونقاط القوة والضعف لدى الأمم والشعوب .
وفي ظل السعي الحثيث , للسيطرة على رصد جميع ما يتعلق بحياة الشعوب والقبائل , فقد وقع اختيار الحكومة البريطانية , على احد موظفيها الكبار وهو" قوردن لوريمر" وكلفتة بالقيام بمهمة رصد جميع ما يتعلق بالحياة , وطبيعة القبائل العربية في الجزيرة العربية والخليج , والأحوال السياسية والاجتماعية هناك , وكلفته أيضا بإصدار دليل يحتوي على أدق التفاصيل التاريخية والجغرافية , وطبيعة القبائل وقوة نفوذها , حتى يتمكن السياسيين والدبلوماسيين في الحكومة البريطانية , من الحصول على المعلومة الدقيقة , لاستخدامها في التعامل مع الوضع في منطقة الخليج العربي .
لقد كانت الحكومة البريطانية ترى في ذلك أهمية كبيرة , من أجل تعزيز نفوذها في المنطقة أمام القوى الأخرى المنافسة .
لقد استطاع قوردن لوريمر القيام بالمهمة من خلال زيارة الجزيرة العربية والارتحال بين مناطقها الشاسعة وقبائلها المختلفة مروراً بوادي الدواسر ومناطق الدواسر المتعددة وغيرها من مناطق القبائل الأخرى , ورصد أدق التفاصيل عن تلك القبائل وقوة نفوذها.
وقد انتهى رويمر من هذه المهمة عام 1908م ومكث ومعه فريق العمل أربع سنوات أخرى إلى عام 1912م , لتحليل ما تم جمعه من تلك المعلومات وتصنيفها في الكتاب الشهير (دليل الخليج العربي) على قسمين تاريخي وجغرافي.
إن المطلع على تلك الموسوعة التي كتبت قبل ما يزيد عن مائة سنه يقف في ذهول من دقة العمل وذكر تفاصيل القبائل وأعدادهم وأحوالهم الاقتصادية , وطبيعة مناطقهم , إن هذا العمل كما أسلفت استخباراتي لكي تستفيد بريطانيا في تخطيط سياستها آنذاك في الجزيرة العربية , والخليج العربي . لذا نجد أن الكتاب مصنف لدى الحكومة البريطانية بأنه (سري) لا يطلع علية إلا كبار المسئولين الذين يعملون في الخليج العربي , ولم يسمح بنشرة إلا بعد ستين سنه حيث طبع بعد عام 1970م.
إن المتأمل لسياسة الحكومة البريطانية في الخليج العربي في ذلك الوقت من عام (1912ـ 1928م ) يتضح له أنها كانت تنظر لقبيلة الدواسر بأنها قبيلة لها كيان كبير, وقوة ونفوذ في الجزيرة العربية وذلك من خلال ما كتبه رويمر والرحالة الغربيين , كما اتضح لهؤلاء , أن قبيلة الدواسر لا ترحب بوجودهم على أرضها , لكونهم غرباء أجانب لهم مقاصد وأهداف أخرى , يقول المستشرق مارسيل كوبر شوك في كتابة (البدوي الأخير)
(( أن قبيلة الدواسر تتمسك بالإسلام , ولا تقبل الغرباء أن يطئوا أرضها بدون إذنهم , وأشار إلى أن الرحالة ويلفر ثيسجر (الذي يسمى مبارك بن لندن)قبض عليه عند عبور الربع الخالي وذهبوا به أسيراً إلى ليلى ـ الافلاج ـ إحدى عواصم الدواسر ثم أطلق سراحه فيما بعد )).
ولأجل هذا وما أخذ من انطباع عن قبيلة الدواسر من قوة نفوذها وسعة أراضيها وامتدادها الكبير, وعدم ترحيبها بالأجنبي , كان التعامل معها بطريقة مختلفة من قوى الاستعمار ( بريطانيا ) . فقد حاولت تقليص نفوذها في الخليج العربي ـ في البحرين ـ فالأحداث التي وقعت لقبيلة الدواسر في البحرين , خير شاهد على الرغبة الكبيرة لحكومة بريطانيا لتقليص نفوذ وقوة قبيلة الدواسر, لاسيما وكما أسلفت أن قبيلة الدواسر تتمتع بعمق استراتيجي فهي تمتد من البحرين والدمام والخبر إلى الاحساء ثم الخرج ووسط نجد ثم امتدادها الكبير جنوب نجد إلى الافلاج والسليل والوادي . وهذا العمق الكبير يمثل خطورة كبيرة على مصالح البريطانيين لاسيما في أحداث تلك الفترة في البحرين , وهجرة الدواسر إلى الدمام والخبر, وهذا ما سوف نلمسه في الأسطر والوثائق القادمة , علماً أنني لن أتطرق إلى تفاصيل أحداث الدواسر في البحرين ، لأنه سبق أن كتب موضوع عنها في المنتدى , فهذا الموضوع خاص بقراءة , بعض الوثائق البريطانية لنستشف منها مكانة قبيلة الدواسر وتأثيرها على الأحداث الكبيرة وتعامل دول الاستعمار معها . مع الأخذ في الاعتبار أن التاريخ لن يرحم أحد وسوف يسجل لكل فرد أو قبيلة موقفها مع الأحداث السابقة سواء كانت إيجابية أو سلبية , ومواقف قبيلة الدواسر بحق مشرقة فهي لم تذعن للأجنبي , مهما كانت قوته وسطوته , وسجلت أروع المواقف في الاعتراض على بريطانيا وتدخلها السافر في أحداث البحرين , لفرض بعض الأنظمة في القضاء والتعليم والإصلاحات المزعومة .
يتبع ,,,,