يقول الراوية قال أعرابي : كنت ذا مال وبنين ومضيافًا كريم، حتى جاء اليوم الذي لم أجد فيه غير خال لي يكنى بأبي الفضائل، فاستدرجته إلى حائط مهجور ثم اعتقلته فنحرته وأولمت عليه، وما تركت منزلا في الحي ولا عابر سبيل إلا وجعلته يتمرق من لحمه . ثم وقع علي بعد ذلك فاقة ومجاعة، وعوز لم أشهد بمثله قط ، ولم أعد أدري ما أفعل حتى كدت أعرض جارية لي فارسية للبيع .
وكان لزوجي وقف فاستقرضتها إياه فأقرضتني، ثم غدوت إلى السوق فبعت الوقف على صديق لأبي يعمل في سوق الصاغة، والوقف لايباع ولكنه العوز والفاقة . ثم عمدت إلى ساحة الدلالين بالكوفة، فرأيت بيد أحدهم رومية تكنى بأم حفصة، وقد زهد فيها صاحبها لسوء حالها، وكثرة عيالها واعتلالها، فاشتريتها منه بثمن بخس، ثم انقلبت عائدًا للبيت وإذا بزوجي تنتظرني فأمرتها بأن تحد شفرتها فتذبحها وتحسن الذبحة ، ثم تطبخها فنأكل ونتمرق .
وقبيل أذان العصر طرأ لي حاجة، فقصدت السوق. وبينما كنت أسير وإذا بـالرقيب يتتبعني، وما أن دنا مني حتى ضربته على رأسه بالدرة فقتلته ثم حملته، وإذا بفناء منزل مهجور لم يُقمَّ منذ زمن فدفنته فيه ومضيت. وعندما وصلت للسوق، رأيت جروًا مارأيت بأجمل منه في يد صبي بصراوي، فساومته عليه حتى اشتريته منه، ثم حملته معي وتوجهت للمسجد، فأديت الصلاة وأنا متأبط به خوفا عليه من عبث الصبيان .
وبعد انتهاء الصلاة وخروج الناس، وإذا بي ألمح يتيمًا لخالي كنت قد ضربت على يده، فرق له قلبي ودعوته ليشهد معنا الوليمة فأجاب الدعوة . وبينما نبسط المائدة وإذا بالطارق يطلب القِرَى فضيفناه وأكل معنا وتمرَّق، وشبع وشبعنا ثم قال الطارق : ما أطيب لحم هذا الصيد ، فقلت : ما أكلتما غير أم حفصة، وهاهو الجرو فدعونا نتمم به الوليمة . ثم أستخرجت شفرتي وشحذتها وناولتها للصبي، وما أن هوى بها عليه حتى صار إلى نصفين وسال دمه ثم فاحت منه رائحة ما شممت بأزكى منها، فتفكهنا بنصفه، وبعثت بنصفه الآخر إلى بنت عم لي ضريرة، كنت أتعاهدها بين الحين والآخر .
عبدالرحمن الجبابرة