الرأي
04-07-2012
المقارنة بين حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي والمنظور الغربي و(المملكة أنموذجاً)
د. محمد بن حمود الهدلاء
أصبحت مؤسسات حقوق الإِنسان مطلبًا اجتماعيًا ثابتًا في المجتمعات الحديثة كأداة لتنفيذ مبادئ وروح الإعلان العالمي لحقوق الإِنسان وليس وجودها كرفاهية لتلك المجتمعات،
وذلك لأسباب تكمن في حاجة الدول لمن يساعدها في رصد واقع تلك الحقوق لديها، من خلال مدى التزام أجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية بصيانة تلك الحقوق، الأمر الذي سوف يعود على هذه الدَّولة بالاستقرار نتيجة لترسيخ مفاهيم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن الفكري وكلها أمور تجعل هذه الدَّولة عضوًا فاعلاً ومستقرًا في المجتمع الدولي مما يحقِّق السلام والأمن الدوليين، كما أنها تتعلق بحفظ العقل كحرية الفكر وحق التَّعليم والتثقيف وحق الحرية، وتحفظ العرض كحق الكرامة والمساواة والحقّ في حرية الحياة الخاصَّة وحقوق المرأة وحق رعاية الأطفال وتربيتهم، كما أنها تتعلّق بحفظ المال كحق الإِنسان في أملاكه وأمواله والحقّ في العمل والضمان الاجتماعي.
يقول رئيس هيئة حقوق الإِنسان الدكتور بندر العيبان: إن حقوق الإِنسان ليست ترفًا فكريًا أو اجتماعيًا، بل ضرورة ملحة وخيار إستراتيجي لكل الدول والشعوب، مبينًا أن المملكة العربية السعودية، سبَّاقة للحفاظ على حقوق الإِنسان وحمايتها، مستمدة ذلك من أحكام الشريعة الإسلامية الغرّاء وما نص عليه النظام الأساسي للحكم في مادته 26؛ التي بموجبها تحمي الدَّولة حقوق الإِنسان.. وفق الشريعة الإسلامية. ثمَّ أن المملكة دأبت على تعزيز مبادئ العدل والمساواة وتعميقها بين جميع أفراد المجتمع، وكفالة جميع الحقوق والحريات المشروعة، وأولت جلّ عنايتها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، بهدف رفع مستوى المعيشة، وضمان الرفاهية والاستقرار للمواطن والمقيم في المملكة وتعزيز كرامة الإِنسان وحفظ حقوقه، وحماية مقدرات هذا الوطن من خلال سن التشريعات وإصدار الأنظمة وإنشاء أجهزة جديدة الهدف منها حماية حقوق الإِنسان وتوخي العدالة ورصد أي تجاوزٍ وانتهاكٍ، وأتى إنشاء هيئة حقوق الإِنسان، وقبل ذلك جمعية حقوق الإِنسان، ليؤكد منهج المملكة الثابت على مرّ تاريخها من حرص قيادتها على كل ما فيه خير المواطن وحفظ وحماية حقوقه، كما تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لتعزيز مبدأ الشفافية وحماية حقوق الإِنسان باعتباره محور وهدف خطط الدَّولة التنموية، وتواصلت الجهود لدعم مرفق القضاء بميزانيات إضافية، وسنّ تشريعات جديدة، والعمل على تعديل التشريعات القائمة، بما يعزّز صون كرامة الإِنسان ويحفظ حقوقه في إطار ما قرّرته الشريعة الإسلامية. كما خطت المملكة، خطوات أشاد بها الجميع من أجل دعم حقوق المرأة وتعزيز مشاركتها الفاعلة في النهضة التنموية الشاملة التي تعيشها، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قرارًا يقضي بحق المرأة في عضوية مجلس الشورى، وحقها في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية.
وهذا بلا شكّ يجعلنا جميعًا أمام مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة لتحقيق ما تصبو له قيادة هذه البلاد، حيث تُعدُّ حقوق الإِنسان في المملكة والمستمدة من حقوق الإِنسان في الإسلام من أعلى القيم في نفس الفرد، حيث أرسى الإسلام دعائم هذه الحقوق قبل أربعة عشر قرنًا التي تكفل للفرد حفظ الضرورات الخمس التي يُعدُّ حفظها من الواجبات الشرعية ولا تتم هذه الواجبات إلا بضمان وتمام تلك الحقوق فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعًا. هذا من جهة ومن جهة أخرى المسلم يرى في الالتزام بهذه الحقوق واجبًا دينيًا يجب احترامه والقيام به ويحرم انتهاكه والتفريط فيه، لذا كان النظام الأساسي للحكم المنبثق من سمو المنهج الرباني متضمنًا في كثير من فقراته الأساسية كثيرًا من هذه المواد يمكن إدراجها ضمن لائحة حقوق المواطن. فالمادَّة 27 تنص على أن «الدَّولة تضمن حقَّ كل مواطن وعائلته في حالات الطوارئ، المرض، العجز وكبر السن». والمادَّة 28 تنص على أن الدَّولة توفر التَّعليم وتحارب الأمية». والمادَّة 30 تنص على الرعاية الصحية والمادَّة 35 تضمن عدم اعتقال أي فرد أو سجنه أو تقييد نشاطه سوى ما حدده القانون. والمادَّة 37 تحظر التدخل في مراقبة الخدمات البريدية والتلغرافية والاتصالات التلفونية أو أي وسائل اتصال أخرى. وتتويجًا لما سبق فالمادَّة 40 تقول: إن الدَّولة ترعى حقوق الإِنسان وفقًا للشريعة الإسلامية إلى جانب استقلال القضاء لدين. وأصبح نظام الإجراءات الجزائية الذي صدر، وهو يمثل خطوة مهمة على طريق زيادة الشفافية في إدارة نظام العدالة الجنائية، بتحديد الإجراءات القانونية والحقوق المتعلقة بسلامة الإجراءات والقوانين. ومن أهم ما فيه حظر التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، كما ينص بوضوح على ضرورة إخطار كل من يقبض عليه أو يعتقل فورًا بالتهمة أو التهم الموجهة إليه، ويقر بحقِّ المشتبه فيه جنائيًا بتوكيل محامٍ عنه خلال فترة إجراءات التحقيق والمحاكمة. كما ينص على أن تخضع السجون والمعتقلات لإشراف أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، ضمانًا لعدم احتجاز أحد أو سجنه دون حق.
وبالرغم من هذا الوجه المشرق للحقوق الإِنسان في هذا البلد الذي يحمل راية الإسلام ومعقله (تصديقًا لقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}، نجد اتهامات باطلة بانتهاك حقوق الإِنسان صادرة من جهات تدعي أنها حقوقية وموضوعية مثل منظمة «هيومن رايتس ووتش» واتهاماتها الأخيرة لنا بشأن قانون الإرهاب التي تحمل كثيرًا من الأكاذيب والافتراءات كان نابعًا من تقصير هذه المنظمات بفهم حقيقة حقوق الإِنسان التي كفلها لها الدين الإسلامي ثمَّ إن وجهة نظرهم دائمًا معادية للإسلام وخصوصًا هذه البلاد التي تحمل راية الدين وتدافع عن حياضه وقضاياه في جميع المحافل الدولية وموقفها الثابت والراسخ من كثير من القضايا العالقة التي ترفض فيها الشعارات والمزايدة على حقوق أمتها وعروبتها كل ذلك جعل كثيرًا من هذه المنظمات التي تحكمها الكثير من الدوائر الصهيونية وتهيمن عليها تتابع الشأن السعودي وترصد الأخطاء البسيطة وتضخمها في أذهان المجتمع الدولي مثل قضايا المرأة ومحاولة ربط الإرهاب زورًا بالإسلام والتشكيك في مناهجنا ومؤسساتنا الشرعية أنها تفرخ الإرهاب كما ورد في التقرير الذي أصدره بيت الحرية الأمريكي سابقًا والسؤال الذي يطرح نفسه على الجميع: لماذا ازدواجية المعايير الدولية لهذه المنظمات في كثير من القضايا والمواقف؟ وأين هذه المنظمات عمّا يحدث للشعب الفلسطيني الأعزل؟ ثمَّ لماذا تغيَّر تقريرها الأخير الخاص بإدانة إسرائيل بعد أن تم الإنفاق على صياغته؟ وأين هذه المنظمات الحقوقية عمّا يحدث في المعتقل سيئ الذكر جوتيناموا.
ما دعاني لكتابة هذا الموضوع أنه ضمن رصدي واهتمامي للجهود الفكرية وقضايا الإرهاب تشرَّفت بالاطلاع على دراسة وافية (الإرهاب وحقوق الإِنسان في المملكة العربية السعودية) لأخي وصديقي اللواء عبد العزيز بن محسن الصبحي في كلية الملك فهد الأمنية الذي تناول فيه المؤلِّف والخبير في الشؤون الأمنية تعريفًا مستفيضًا للإرهاب والتقريب بين مدلولي الحرابة في الإسلام والإرهاب. الحديث مُبين فيه الفرق بين الإرهاب ونضال الشعوب مع تناول المؤلِّف للأسباب التي أدت إلى ظهور الإرهاب الحديث في العالمين العربي والإسلامي مع تناول سرد توضيحي لأبرز العمليات الإرهابية في المملكة وأهداف هذه العمليات في المملكة ورؤية ولاة الأمر والفتاوى الصادرة من العلماء في تجريم الإرهاب ورأي المواطنين في العمليات الإرهابية وموقفهم منها متطرِّقًا إلى جهود المملكة العربية السعودية محليًا ودوليًا لمكافحة الإرهاب مُدعمًا هذا الكتاب القيم بجهود المملكة لحقوق الإِنسان النابعة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف المتمثِّلة في كرامة الإِنسان وعدم التمييز في الكرامة والحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر بسب العرق والجنس أو النسب أو المال عملاً بما جاء في القرآن الكريم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وعملاً بقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم (لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على اسود إلا بالتقوى)، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم (النساء شقائق الرجال) وقسْ على ذلك سائر الحقوق الآخر مثل: حرية الإِنسان في عقيدته وعدم ممارسة الإكراه فيها وحرمة العدوان على مال الإِنسان ودمه ثمَّ تناول الكتاب الفرق بين حقوق الإِنسان في الشريعة الإسلامية وبين المواثيق الدولية.
وفي الحقيقة أنه كتاب يستحق الاهتمام من القائمين على مكافحة الإرهاب والمنظمات الإنسانية والأفراد لوجود حلول جذرية وعملية لمشكلة الإرهاب تناولها هذا الكتاب الذي ذكر مؤلفه أن سبب إقدامه على تأليفه هوى عدة أمور منها الهجمة الشرسة على شريعتنا السمحة تحت مسمى رعاية الإرهاب وتغذيته ودين التطرف.
الكتاب من تقديم اللواء عبد الرحمن بن عبد العزيز الفدى مدير عام كلية الملك فهد الأمنية.