وفاة السلطان سليمان القانونى رحمه الله ... غزوة سيكتوار (20 صفر 974 هـ = 5 سبتمبر 1566م) :
ما ترك السلطان سليمان القانونى الجهاد قط ...
فى أواخر أيام السلطان سليمان أصابه مرض النقرس , فكان لا يستطيع ركوب الخيل , ولكنه كان يتحامل رحمه الله إظهارا للقوة أمام أعدائه ...
قد بلغ السلطان سليمان القانونى من العمر 74 عاماً , ومع ذلك عندما علم بأن ملك الهايسبرج أغار على ثغر من ثغور المسلمين , قام للجهاد من فوره ...
ومع أنه كان يتألم من شدة المرض إلا أنه قاد الجيش بنفسه وخرج على رأس جيش عرمرم فى 9 شوال عام 973هـ , 29 ابريل عام 1566م .. ووصل الى مدينة سيكتوار المجرية وكانت من أعظم ما شيّده النصارى من القلاع ... وكانت مشحونة بالبارود والمدافع
وكان قبل خروجه للجهاد , نصحه الطبيب الخاص بعدم الخروج لعلّة النقرس التى به , فكان جواب السلطان سليمان الذى خلده له التاريخ : أحب أن أموت غازيا فى سبيل الله ...
سبحن الملك !! , هذا السلطان كان قد بلغ من الكبر عتيا وكان يملك تحت قبضته نصف الدنيا , وملوك الأرض طوع بنانه وكان بإمكانه التمتع بحياة القصور والتنقل بين الغرف والاستمتاع بالملذات والشهوات , ومع ذلك أبى إلا أن يخرج غازيا فى سبيل الله !!
وخرج بالفعل على رأس جيشه وما كان يستطيع ان يمتطى جواده لازدياد علة النقرس عليه , فكان يُحمل فى عربة , حتى وصل الى أسوار مدينة سيكتوار ...
وابتدأ فى حصارها , وفى أقل من اسبوعين احتلّ معاقلها الأمامية , وبدأ القتال واشتدّ النزال , وكان أصعب قتال واجهه المسلمون لمتانة الأسوار حصانتها وضرواة النصارى فى الدفاع عن حصنهم ..
واستمر القتال والحصار قرابة 5 شهور كاملة , وما ازداد أمر الفتح الا استعصابا وازداد همّ المسلمين لصعوبة الفتح , وهنا اشتدّ مرض السلطان وشعر بدنوّ الأجل , فأخذ يتضرع الله تعالى وكان من جملة ما قاله : يارب العالمين , افتح على عبادك المسلمين , وانصرهم , واضرم النار على الكفار !!!
فاستجاب الله دعاء السلطان سليمان , فأصاب أحد مدافع المسلمين خزانة البارود فى الحصن فكان انفجارا مهولا , ودعونى أنقل لكم ما قيل فى وصف هذه الحادثة , يقول صاحب نزهة الأنظار :-
" فقبل الإنفصال إشتدّ بالسلطان رحمه الله مرضه , وغمرته غمرات الوفاة , وهو مع ذلك رضى الله تعالى عنه يلهج الى الله القريب المجيب بطلب الفتح القريب , فاستجاب الله دعاؤه فأضرمت النار فى خزانة بارود الكفّار المخزونة بالقلعة , وكانت موفورة عندهم مهيأة لقتال المسلمين , فأصابها شرر من النّار إجابة لدعاء ذلك الروح المقدّس , فأخذت جانبا كبيرا من القلعة فرفعته الى عنان السماء , وزلزلت الأرض زلزالها الى تخوم الأرض السلفى , وتطاير جلاميد صخور الحصن , ورمت النار بشرر الكقصر من جدران ذلك الحصن , والتهبت النار وتزايد الدخان حتى امتلأ الفضاء , فضعفت طائفة الكفر وعذبهم الله بنار الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى , فتزاحم الشجعان بآلات الحرب مع صدق النية والإعتماد والتوكل على الله تعالى , وطبول الحرب ونيرانه تضرب , وتحاملوا على الكفّار حملة رجل واحد , وتعلقوا بأطرف القلعة , وهجموا عليها من فوق الأسوار , واستشهد من سبقت له من الله العناية , وفتح القلعة من نصره الله من المسلمين , ورفعت الراية السليمانية على أعلى مكان من القلعة , ووقع السيف فى الكفار , فقتل منهم من قتل , واسر من بقى , وعند وصول خبر الفتح للسلطان فرِح , وحمد الله على هذه النعمة العظيمة , وقال : الآن طاب الموت , فهنيئا لهذا السعيد بهذه السعادة الأبدية , وطوبى لهذه النفس الراضية المرضية , من الذين رضى الله عنهم ورضوا عنه ... " أ.هـ
الله أكبر والعزة لله ...
عندما جاء خبر الفتح للسلطان سليمان وهو فى غمرات الموت , فرِح وحمد الله تعالى وقال : الآن طاب الموت ...
وتخرج روحه الى بارئها , الى جنان الخلد ان شاء الله ... فى 20 صفر عام 974هـ , 5 سبتمبر 1566م
ما أروع هذ الخاتمة ...
سلطان المسلمين يموت مجاهدا فى سبيل الله , وتفوض روحه فى أرض الجهاد مقبلا غير مدبر , فيالها من خاتمة , نسأل الله لنا مثلها
وأخفى الوزير محمد باشا نبأ وفاة السلطان حتى أرسل لولى عهده السلطان سليم الثانى , فجاء واستلم مقاليد السلطنة فى سيكتوار , ثم دخل اسلامبول ومعه جثمان ابيه الشهيد – ان شاء الله – وكان يوما مشهوا لم يُرى مثله إلا فى وفاة محمد الفاتح ... وصلّى عليه الإمام المفتى أبى السعود
وعلم المسلمون خبر وفاة السلطان سليمان , فحزنوا أشد الحزن ورثاه الشعراء والعلماء بقصائد ليس لها مثيل سأنقلها لكم بعد قليل ..
اما على الجانب النصرانى , فما فرح النصارى بموت أحد بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح كفرحهم بموت السلطان سليمان المجاهد الغازى فى سبيل الله ..
وجعلوا يوم وفاته عيدا من أعيادهم , ودقت أجراس الكنائس فرحا بموت مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر رحمه الله ...
ما قيل فى السلطان سليمان من الشعراء والعلماء والمؤرخين :
يقول صاحب نزهة الأنظار : " وهو سلطان غاز فى سبيل الله , مجاهد فى إعلاء كلمة الله , كان رحمه الله مؤيدا فى حروبه ومغازيه , أين سلك ملك , وصلت سراياه مشارق الأرض ومغاربها , فافتتح البلاد الشاسعة والأقطار بالقهر والحجة والسيف , وأقام السنة وأحيى الملة , ورفع شعائر الشريعة وأعلى منارها , واحيى ما اندرس من آثارها , فكان من المجددين لهذه الأمة دينها فى القرن العاشر لكثرة علمه وعمله وأدبه وفضله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ... "
وقال ايضا : " .. كان رحمه الله تعالى ورضى عنه كأسلافه الطيبين محبا للجهاد فى سبيل الله , باذلا نفسه وخزائن أمواله لإعلاء كلمة الله , بحيث لم تُرفع راية الإسلام فى زمانه للإسلام على رأس أحد من السلاطين العظام مثله !! , ولم يكن أكثر جهادا ونصرة للدين , وأكملُ عّدَّة وآلة لقطع الملاعين , وأقمع لأهل البغى والبدعة والكفرة الملحدين , وأشدّ عضدا وأشدّ نصراً لأهل السنة والدين منه رحمه الله , فهو سليمان زمانه وفريد عصره وأوانه , فكم دوّخ بلاد الكفر واجتاحها وجاس خلال مغانيها ورباعها , وافتتح صياصيها وقلاعها , وأخرب معاهد الأصنام , وبنى مساجد للإسلام . " أ.هـ
-------------------------------------------------------
يقول صاحب أخبار الدول : " وكان رحمه الله , عالى الهمة , عالما , شجيعا الى الغاية , طويل القامة , حسن الصورة , وهو ممن اشتهر فى الآفاق بالعدل والخيرات ... "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب العقد المنظوم : " .. السلطان سليمان بن سليم خان عاشر سلاطين آل عثمان فاتح ديار فارس وبغداد , قالع قلاع انكروس وبغدان بلغراد , قامع آثار الكفرة والملحدين , معفر جباه عتاة المشركين صاحب الوقائع المشهورة , والمناقب المذكورة , ملك ملك الآفاق بسطوته وتطاطا سراة العالمين عند سرادقات عزته , هو الذى هرب ملك المشرق من بين يديه دربا فدربا , ودانت لهيبته الملوك شرقا وغربا , فياله من ملك مجاهد تناول الكواكب وهو قاعد أصبح البحر من صارمه الصمصام فى اضطراب ..... "
وقال ايضا : " ... كان رحمه الله ملكا ممدوحا ومحمودا مقداما مظفرا مسعودا , وقع منه عداة الدين فى العذاب الأليم ... وكان رحمه الله ذا حظ من المعارف والنوادر وله معرفة تامة بالتواريخ من الأوائل والأواخر , وكان ينظم الشعر بالتركى والفارسى .. "
-------------------------------------------------------
يقول صاحب شذرات الذهب : " .. كان سلطانا سعيدا ملكا , أيده الله لنصرة الإسلام تأييدا ... وهو سلطانٍ غازٍ فى سبيل الله , مجاهد لنصرة دين الله , مُرغم أنواف عداه بلسان سيفه وسنان قناه , كان مؤيدا فى حروبه ومغازيه , مسدداً فى آرائه ومعازيه , مسعودا فى معانية ومغانية , مشهودا فى وقائعه ومراميه , أيّان سلك ملك , وأنّى توجه فتح وفتك , وأين سافر سفر وسفك , وصلت سراياه الى أقصى الشرق والغرب , وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب , وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب , وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية فى القرن العاشر , مع الفضل الباهر , والعلم الزاهر , والأدب الغص الذى يقصر عن شأوه كل أديب شاعر , إن نظم نضد عقود الجواهر , أو نثر آثر منثور الأزاهر , أو نطق قلّد الأعناق نفائس الدرّ الفاخر ... كان رؤوفا , شفوقا , صادقا , صدوقا , إذا قال صدق , وإذا قيل له صدّق , لا يعرف الغلّ والخداع , ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق , ولا يألف مساوىء الأخلاق , بل هو صافى الفؤاد , صادق الإعتقاد , منّور الباطن , كامل الإيمان , سليم القلب , خالص الجنان ..... "
-------------------------------------------------------
يقول الجبرتى فى تاريخه عن السلطان سليمان وعن دولة آل عثمان : " .. المغازى السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان , فأسس القواعد , وتمم المقاصد , ونظم الممالك , وآنار الحوالك , ورفع منار الدين , وأخمد نيران الكافرين , وسيرته الجميلة أغنت عن التعريف , وتراجمه مشحونة بها التصانيف .... "
ثم قال عن الدولة العثمانية : " ... ولم تزل البلاد منتظمة فى سلكهم , ومنقادة تحت حكمهم , من ذلك الأوان الذى استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذى نحن فيه , وولاة مصر نوابهم , وحكامها أمراؤهم , وكانوا فى صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين , وأشد من ذب عن الدين , وأعظم من جاهد فى المشركين , فلذلك اتسعت ممالكهم , بما فتحه الله على ايديهم وايدى نوابهم , وملكوا أحسن المعمور من الأرض , ودانت لهم الممالك فى الطول والعرض , هذا مع عدم إغفالهم الأمور , وحفظ النواحى والثغور , وإقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية , وتعظيم العلماء وأهل الدين , وخدمة الحريمين الشريفين , والتمسك فى الأحكام والوقائع , بالقوانين والشرائع , فتحصنت دولتهم , وطالت مدتهم , وهابتهم الملوكم , وانقاد لهم الممالك والملوك . " أ.هـ
-------------------------------------------------------
وما قيل من الشعر فى حقه , وبما رثاه العلماء والشعراء , وهذه القصائد لم يوردها المعاصرين فى كتبهم , وهى تنشر الآن لأول مرة ولله الحمد والمنة فى هذا المنتدى الشامخ :
كان من أعظم ما قيل من الشعر هو ما نظمه المفتى أبى السعود صاحب التفسير فى وفاة السلطان سليمان :
أصوت صاعقةٍ أم نفخةُ الصورِ *** فالأرض قد مُلئت من نقرِ ناقورِ
أصاب منها الورى دهياء داهيةٍ *** وذاق منها البرايا صعقةَ الطورِ
تهدّمت بقعة الدنيا لوقعتها *** وانهدّ ما كان من سور ومن دورِ
أمسى معالمها تَيْمَاءَ مُقفرةً *** ما فى المنازل من دار ودَيُّورِ
تصدّعت قُلَلُ الأطواد وارتعدت *** كأنها قلب مرعوب ومذعورِ
واغبرَّ ناصيةُ الخضراءِ وانكدرت *** وكاد ان تمتلىء الغبراء بالمورِ
فمن كئيب وملهوف ومن دَنِف *** عَانٍ بسلسلة الأحزانِ مَأسورِ
فيا له من حديث موحش نكد *** يعافه السَّمع مكروه ومنفورِ
تاهت عقول الورى من هول وحشته *** فأصبحوا مثل مسجون ومسحور
تقطَّعت قِطعاً منه القلوب فلا *** يكاد يوجد قلبٌ غير مكسورِ
أجفانهم سفن مشحونةٌ بدم *** تجرى ببحر من العبْراتِ مسجورِ
أتى بوجه نهار لا ضياء له *** كأنّها غارة شنّت بديْجورِ
أم ذاك نعى سليمان الزمان ومن *** مضت أوامره فى كل مأمورِ
من ملا جملة الدنيا مهابته *** وسخّرت كل جبّار وتيْهورِ
مدار سلطنة الدنيا ومركزها *** خليفةُ الله فى الآفاق مذكورِ
مُعلى معالم دين الله مُظهرها *** فى العالمين بسعى منه مشكورِ
وحسن رأى الى الخيرات مُنصرف *** وصدقُ عزم على الألطاف مقصورِ
بآية العدل والإحسان مُمْتثِلٍ *** بغاية القسطِ والإنصافِ موفورِ
مجاهد فى سبيل الله مجتهد *** مؤيد من جناب القسط منصورِ
بلهذمىّ إلى الأعداء منعطفٍ *** ومشرفىّ على الكفار مشهورِ
وراية رُفعت للمجد خافقةً *** تحْوى على علمٍ بالنصر منشورِ
وعسكر ملأ الآفاق مُحتشدٍ *** من كل قطر من الأقطار محشورِ
له وقائع فى الأعداء شائعةٍ *** وأخبارها زُبرت فى كل طامورِ
يا نفس ما لكِ فى الدنيا مخلّفةٌ *** من بعد رحلته عن هذه الدورِ
وكيف تمشين فوق الأرض غافلة *** أليس جثمانه فيها بمقبورِ
فللمنايا مواقيت مقدّرة *** تأتى على قدرٍ فى اللوح مسطورِ
وليس فى شأنها للناس من أثر *** ومدخل ما بتقديم وتأخيرِ
إذ لستِ مأمورةً بالمستحيل ولا *** بما يُنْوى بمجذولٍ ومسرورِ
وا تظنّنّه قد مات بل هو ذا *** حىٌ بنصٍ من القرآنِ مزبورِ
له نعيم وأرزاق مقدرة *** تُجرى عليه بوجه غير مشعور
إن المنايا إن عمّت محرّمة *** على شهيد جميل الحال مبرورِ
مرابطٌ فى سبيل الله مقتحمٌ *** معارك الحتف بالرضّوان مأجورِ
ما مات بل نال عيشا باقيا ابدا *** عن عيش فانٍ بكل الشر مغمورِ
إبتاع سلطنة العقبى بسلطنة *** الدنيا فأعظم بربح غير محصورِ
بل حاز كلتيْهما إذ حلّ منزله *** من لم يغايره فى أمر ومأمورِ
أما ترى ملكه المحمى آل إلى *** سرّ سَرِىٍ له فى الدهر مشهورِ
ولىّ سلطنة الآفاق مالكها *** برا وبحرا بعين اللطف منظورِ
-------------------------------------------------------
ومن أعظم ما قيل وهى مؤثرة جدا , أوردها عبد الرحيم العباسىّ فى كتابه منح البرية , ولعلها من نظمه هو وقد كان شاعرا فحلا , قال رحمه الله :-
كأن لم تكن للكفر داراً ولم يقم *** بها قائم نعماء مولاه يكفرُ
وصار بها الإسلام فى أرفع الذُّرا *** تتيه بمجدٍ من عُلاه وتفخرُ
وأعلن بالتوحيد من كان ساكتاً *** وخافَتَ بالإشراك من كان يجهرُ
وقام منارٌ الدين بعد قعوده *** وظل به يزهو سريرٌ ومنبرُ
وتاهت على كل البلاد بدولة *** لها السعد عبدٌ طوع ما يأتى تأمّرُ
وأضحت وأعناق الممالك خُضعا *** لديها وجبهات الملوك تُعفّرُ
بِسَعدِ سليمانَ الزمان ومن له *** إله البرايا ناصرٌ ومظفّرُ
مليك حباه الله ملكا مُؤيداً *** يجدُّ على مر الليالى ويُذكرُ
مليكٌ له عمزٌ إذا ما انتضان لا *** يقاربه ماضٍ صقيلٌ وأبترُ
مليكٌ إذا ما همّ أيسر همّةٍ *** لقصدٍ تسنى مسرعاً لا يُقصرُ
مليكٌ أبادَ الكفرَ رعبا فلم يدع *** لهم أنفساً إلا بذكراه تُذعرُ
مليكٌ يرى أن ليس فى الأرض مشتهى *** سوى منع دين الله مما يُغيّرُ
مليكٌ له فوق السمّاكين رتبةٌ *** جميع المعالى دونها تتقهقرُ
مليكٌ بدا فى الكون للناس رحمة *** به كل مكسورٍ من الدهر يُجبرُ
مليكٌ يُحارُ الفهم فى كُنهِ وصفهِ *** ويعجز عنه التفكير حين يَفكّرُ
إذا قال فيه الشعرَ أشعرُ شاعرٍ *** ولو أنه الشعرى لما كان يشعرُ
ولكنه بالحلم يُغضى عن الذى *** يُقصّرُ بعد الجهد فضلاً ويعذرُ
فلا زال فى سعدٍ يدوم ودولةٍ *** مخلّدةٍ ما قال بِشراً مُبشّرُ
-------------------------------------------------------
ومما ذكره صاحب العقد المنظوم كذلك :-
مضى ملك الدنيا ولم يبق مشرق *** ولا مغرب إلا له فيه نائح
ولم يُغن عنه ماله ورجاله *** من الموت شيئا والخيول السوابح
وما انا من رزء وان جل فاجع *** ولا بحبور بعد موتك فارح
وقل للمنايا قد ظفرت سميدعا *** براجمه للمشرقين مفاتح
وقل للعطايا بعد ذاك تعطلى *** فإن ولى الجود والطول طائح
إمام الهدى بحر الندى قامع العدا *** سليمان من بالفضل للناس سامح
لقد دُفن المجد الرفيع بدفنه *** وعزّ منيع والخلال الصوالح
وجد لرايات السيادة ناصب *** وجد لآيات السعادة واضح
وقد بكت الأقلام اذ فاض بالاسى *** عليه كما رنت عليه الصفائح
ذر الموت يُفنى من أراد فإنه *** ثوى اليوم من يخشى عليه الفوادح
اذا أعجلت سهما من العيش ناعما *** فمن خلفه سهم من البؤس فادح
سلاف قصاراها زعاف ومركب *** شهى اذا استلذذته فهو جامح
وقد جاد ما قد قيل فى وصف حظها *** وماهو وصف ان تدبرت صالح
رويدك يا من غرهطيف عزها *** فعما قليل عنك ذاك نازح
وما هو إلا كالشهاب وضوئه *** يزول بآن بعدما هو لائح
وأودى ولكن طيب ذكراه خالد *** الى الحشر يبقى وهو كالمسك فائح
الا أيها الملك السعيد المكرم *** عليك سلام الله ماحن صادح
ونقل ايضا فى كتابه : -
نسيم الصبا رقت بأشجان فرقة *** حمامة ذات السدر جنت من الذعرِ
أحامى حمى الاسلام أودى وهل له *** نعيت لدين أنت مالك من عذرِ
أزالت من الدنيا مراسم بهجة *** وآلت مسرات الزمان الى الضرِ
دموعى جودى فى رزية عادل *** عديل ابن خطاب مثيل أبى بكرِ
لقد ذاق من كاس الحمام امامنا *** امام الهدى بحر الندى طيب البشرِ
أنام أنام العهد فى مهد عدله *** فراح الى دوح على سندس خضرِ
تفضلت الأيام بالجمع بيننا *** ففرق من أجل القصور عن الشكرِ
كذلك دهر الدهر بؤس ونعمة *** وناهيك تلك الحل فى الوعظ والذكرِ
فوا حسرتا ان أنزل الدهر مثله *** من القصر فى قعر الجنادل والصخرِ
فما اخضرّ بالمروين بعدك عوده *** وما غردت ورقاء فى الروض ذى النورِ
وما قلبت أيدى الفوارس بعده *** رماحا لدى الهيجاء ذى الكر والفرِ
سقى الله قبرا من سحائب نعمه *** تضمن بحرا فى الندى صافى البرِ
ألا أيها الملك الشهيد المجاهد حليما *** كريما قد مضى طيب الذكرِ
عليك من الرحمن فضل ورحمة *** وروح وريحان مدى الدهر والعصرِ
كما أنت فى الأولى بعز ونعمة *** كذلك فى الأخرى وفى الحشر والنشر
-------------------------------------------------------
وذكر فى النور السافر فى أخبار القرن العاشر :-
لعمرك ما الأعمار إلا مراحلُ ***وفيها مرور الحادثات مناهلُ
كأن بنى العباس سنت سوادها *** عليه وبالأعلام قاست دلائلُ
وكان عماد الدين فى كل حادث *** وسلطانه بالنصر للشرع حافلُ
وجثته فى الأرض أضحت دفينة *** ومن شأنها تحوى الكتوز الجنادلُ
فكم حىّ قلب قد تقلب فى الغضا *** عليه وكم عقل غدا وهو ذاهلُ
وكم أنفق الأموال فى الغزو قائلاً *** إلا فى سبيل الله ما أنا فاعلُ
شياطين أهل الكفر ولت لأنها *** سليمان وافا وهو للشرك خاذلُ
غزاهم بعزم كالشهاب وقد سما *** ومن حوله عد النجوم جحافلُ
أسود لها لهف الدروع مواطن *** وغاباتها سمر القنا والعواملُ
-------------------------------------------------------
وللأديب ماميه الانقشارى فى تاريخ وفاته شعراً :
انتقل العادل من دنيته *** جاور الرحمن والمولى الرحيم
قالت الأقطاب فى تاريخه *** "مات سليمان بن سلطان سليم"
-------------------------------------------------------
وإلى هنا ينتهى ما وفّقنى الله فى كتابته ولله الحمد والمنة ...
كلمة لإخواننا من المسلمين :
هذه سيرة رجل من أعظم القادة والفاتحين , لم نكن نعلم عنه شيئا ... وتاريخنا الإسلامى مليىء بالأبطال والقادة والفاتحين , والمطلوب ان نفتح الكتب ونقرأ ونستخرج سير هؤلاء الأبطال
منقوووول من ( قسم التاريخ - منتدى فرسان السنة :: فرسان الحق)